رأي في الحدث

عبدالمنعم ابراهيم : ماذا خلف (الصندوق الأسود) القطري؟

كلما‭ ‬تفاءل‭ ‬المواطنون‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون‭ ‬الخليجي،‭ ‬بل‭ ‬وحكوماته‭ ‬أيضًا،‭ ‬بتجاوز‭ ‬عثرات‭ ‬الماضي‭ ‬والخلافات‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬الأعضاء‭ ‬بالمجلس،‭ ‬وخصوصًا‭ ‬بين‭ ‬قطر‭ ‬والبحرين،‭ ‬وجدنا‭ ‬هناك‭ ‬أصواتا،‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬محدودة‭ ‬الآن،‭ ‬تصر‭ ‬على‭ ‬إذكاء‭ ‬الخلافات‭ ‬من‭ ‬جديد‭. ‬ومن‭ ‬بين‭ ‬هذه‭ ‬الأصوات‭ ‬وزير‭ ‬الخارجية‭ ‬القطري‭ ‬السابق‭ (‬حمد‭ ‬بن‭ ‬جاسم‭) ‬الذي‭ ‬يبدو‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يطيق‭ ‬المصالحة‭ ‬بين‭ ‬قطر‭ ‬والبحرين،‭ ‬ويعمل‭ ‬على‭ ‬حرق‭ ‬الجسور‭ ‬بين‭ ‬البلدين‭ ‬والشعبين‭ ‬الشقيقين‭. ‬وقد‭ ‬طلع‭ ‬علينا‭ ‬مؤخرًا‭ ‬ضمن‭ ‬برنامج‭ (‬الصندوق‭ ‬الأسود‭) ‬بصحيفة‭ (‬القبس‭) ‬الكويتية،‭ ‬وذكر‭ ‬فيه‭ ‬اسم‭ ‬البحرين‭ ‬في‭ ‬20‭ ‬حلقة‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬50‭ ‬حلقة،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬موضوع‭ ‬البحرين،‭ ‬يشكل‭ ‬هاجسا‭ ‬له‭ ‬ولم‭ ‬يفارقه‭.‬

نحن‭ ‬بصدد‭ ‬الرد‭ ‬على‭ ‬بعض‭ ‬المعلومات‭ ‬الخاطئة‭ ‬التي‭ ‬أوردها‭ (‬حمد‭ ‬بن‭ ‬جاسم‭) ‬حول‭ ‬الخلافات‭ ‬الحدودية‭ ‬والسياسية‭ ‬القديمة‭ ‬بين‭ (‬الدوحة‭) ‬و‭(‬المنامة‭). ‬وأولها‭ ‬تأكيد‭ ‬أن‭ ‬البحرين‭ ‬هي‭ ‬الجهة‭ ‬التي‭ ‬اكتشفت‭ ‬الوثائق‭ ‬المزورة‭ ‬التي‭ ‬قدمها‭ ‬الطرف‭ ‬القطري‭ ‬إلى‭ ‬محكمة‭ ‬العدل‭ ‬الدولية‭ ‬في‭ ‬لاهاي،‭ ‬وقامت‭ ‬قطر‭ ‬بسحبها‭ ‬بعد‭ ‬اكتشاف‭ ‬تزويرها‭. ‬وهناك‭ ‬خبراء‭ ‬قانونيون‭ ‬مختصون‭ ‬في‭ ‬الخلافات‭ ‬الحدودية‭ ‬بين‭ ‬الدول،‭ ‬قالوا‭ ‬مؤخرًا‭ ‬في‭ ‬الصحافة‭ ‬الفرنسية‭ ‬إن‭ ‬المحكمة‭ ‬الدولية‭ ‬في‭ ‬لاهاي،‭ ‬أخطأت‭ ‬حين‭ ‬اكتفت‭ ‬بإلغاء‭ ‬تلك‭ ‬الوثائق‭ ‬المزورة‭ ‬من‭ ‬مرافعات‭ ‬المحكمة‭ ‬وجلساتها،‭ ‬وأن‭ ‬هذه‭ ‬الوثائق‭ ‬المزورة‭ ‬التي‭ ‬قدمتها‭ ‬قطر‭ ‬للمحكمة‭ ‬كانت‭ ‬كفيلة‭ (‬قانونيا‭) ‬بأن‭ ‬يكون‭ ‬حكم‭ ‬المحكمة‭ ‬لصالح‭ ‬البحرين‭ ‬في‭ ‬القضية‭ ‬الحدودية‭.‬

وقد‭ ‬حاول‭ ‬حمد‭ ‬بن‭ ‬جاسم‭ ‬أن‭ ‬يوحي‭ ‬بأن‭ ‬قطر‭ ‬كانت‭ ‬مظلومة،‭ ‬لكننا‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نذّكر‭ ‬بهذا‭ ‬الخصوص‭ ‬أن‭ ‬قطر‭ ‬هي‭ ‬من‭ ‬قامت‭ ‬بتكرار‭ ‬الاعتداء‭ ‬على‭ ‬البحرين‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مرة،‭ ‬فهي‭ ‬من‭ ‬قامت‭ ‬بالاعتداء‭ ‬على‭ ‬الزبارة،‭ ‬وحاولت‭ ‬طمس‭ ‬هذه‭ ‬الحقيقة‭ ‬التاريخية‭ ‬التي‭ ‬أقرت‭ ‬بها‭ ‬وثائق‭ ‬بريطانية‭ ‬قديمة‭. ‬حين‭ ‬كانت‭ ‬قطر،‭ ‬وتحديدا‭ ‬منطقة‭ (‬الزبارة‭) ‬تحت‭ ‬سيادة‭ ‬حكم‭ ‬الأسرة‭ ‬الحاكمة‭ ‬المالكة‭ (‬آل‭ ‬خليفة‭)‬،‭ ‬ولا‭ ‬أحد‭ ‬ينكر‭ ‬اعتداء‭ ‬قطر‭ ‬على‭ ‬الزبارة‭ ‬عام‭ ‬1937‭. ‬والتي‭ ‬قامت‭ ‬قطر‭ ‬بإزالة‭ ‬كل‭ ‬معالمها،‭ ‬ومن‭ ‬بينها‭ ‬المساجد‭ ‬والبيوت‭ ‬المعروفة،‭ ‬بل‭ ‬حتى‭ (‬المقابر‭) ‬لم‭ ‬تسلم‭ ‬من‭ ‬طمس‭ ‬معالمها‭. ‬ويؤكد‭ ‬الهجوم‭ ‬على‭ ‬الزبارة‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬كانوا‭ ‬يسكنونها،‭ ‬لم‭ ‬يكونوا‭ ‬خاضعين‭ ‬لحكام‭ ‬قطر،‭ ‬بل‭ ‬كانوا‭ ‬يتبعون‭ ‬حكام‭ ‬آل‭ ‬خليفة‭ ‬في‭ ‬البحرين‭. ‬والمرة‭ ‬الثانية‭ ‬هي‭ ‬محاولة‭ ‬الاعتداء‭ ‬على‭ ‬جزر‭ (‬حوار‭) ‬والتي‭ ‬لم‭ ‬يسكنها‭ ‬إلا‭ ‬أهل‭ ‬البحرين،‭ ‬بينما‭ ‬حاولتم‭ ‬المطالبة‭ ‬بها‭ ‬مرارًا‭ ‬وتكرارًا،‭ ‬حتى‭ ‬حسمت‭ ‬محكمة‭ ‬العدل‭ ‬الدولية‭ ‬في‭ ‬لاهاي‭ ‬سيادة‭ ‬البحرين‭ ‬عليها‭. ‬وثالث‭ ‬اعتداء‭ ‬كان‭ ‬على‭ (‬فشت‭ ‬الديبل‭) ‬والذي‭ ‬ردد‭ ‬بشأنه‭ (‬حمد‭ ‬بن‭ ‬جاسم‭) ‬ادعاءات‭ ‬غير‭ ‬صحيحة‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬منه‭ ‬لتبرير‭ ‬الاعتداءات‭ ‬القطرية‭ ‬والهجمات‭ ‬العسكرية‭ ‬ضد‭ ‬أراض‭ ‬بحرينية‭. ‬حيث‭ ‬قامت‭ ‬قطر‭ ‬بإنزال‭ ‬عسكري‭ ‬في‭ (‬فشت‭ ‬الديبل‭). ‬وللتاريخ‭ ‬فإن‭ ‬ما‭ ‬قامت‭ ‬به‭ ‬البحرين‭ ‬في‭ (‬فشت‭ ‬الديبل‭) ‬كان‭ ‬بناء‭ ‬على‭ ‬اتفاق‭ ‬وتوصيات‭ ‬من‭ ‬اللجنة‭ ‬العسكرية‭ ‬بدول‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون‭ ‬وهذا‭ ‬الملف‭ ‬موجود‭ ‬في‭ ‬وثائق‭ ‬الأمانة‭ ‬العامة‭ ‬لمجلس‭ ‬التعاون‭. ‬ويمكن‭ ‬القول‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الوقائع‭ ‬التاريخية،‭ ‬إن‭ (‬قطر‭) ‬قامت‭ ‬بالاعتداء‭ ‬على‭ (‬البحرين‭) ‬3‭ ‬مرات،‭ ‬بدءًا‭ ‬من‭ ‬تدمير‭ ‬ا‭(‬لزبارة‭) ‬ومحاولة‭ ‬الاعتداء‭ ‬على‭ ‬جزر‭ (‬حوار‭)‬،‭ ‬وأيضًا‭ ‬الإنزال‭ ‬العسكري‭ ‬القطري‭ ‬في‭ (‬فشت‭ ‬الديبل‭). ‬وكل‭ ‬هذا‭ ‬مثبت‭ ‬تاريخيا‭.‬

وهنا‭ ‬نتساءل‭: ‬لماذا‭ ‬يصر‭ (‬حمد‭ ‬بن‭ ‬جاسم‭) ‬على‭ ‬تزوير‭ ‬التاريخ؟‭ ‬ولا‭ ‬يكتفي‭ ‬بذلك،‭ ‬بل‭ ‬يقدم‭ ‬معلومات‭ ‬خاطئة‭ ‬حول‭ ‬اتفاقات‭ ‬قطرية‭ – ‬بحرينية‭ ‬حديثة‭. ‬فمثلاً‭ ‬بعد‭ ‬صدور‭ ‬حكم‭ ‬محكمة‭ ‬لاهاي‭ ‬الدولية‭ ‬لإنهاء‭ ‬النزاع‭ ‬الحدودي‭ ‬بين‭ ‬البلدين،‭ ‬تم‭ ‬طرح‭ ‬موضوع‭ (‬الجسر‭) ‬الذي‭ ‬يربط‭ ‬بين‭ ‬قطر‭ ‬والبحرين،‭ ‬وادعت‭ ‬قطر‭ ‬أن‭ ‬البحرين‭ ‬من‭ ‬تعرقل‭ ‬تنفيذ‭ ‬المشروع،‭ ‬وهذا‭ ‬غير‭ ‬صحيح‭ ‬البتة،‭ ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬قطر‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬أوقفت‭ ‬المشروع،‭ ‬بينما‭ ‬كانت‭ ‬البحرين‭ ‬حريصة‭ ‬على‭ ‬إتمامه‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الترابط‭ ‬الأسري‭ ‬والتواصل‭ ‬بين‭ ‬العوائل‭ ‬باعتبار‭ ‬الجسر‭ ‬مطلبا‭ ‬شعبيا‭ ‬وسيظل‭ ‬كذلك‭.‬

إن‭ ‬هذه‭ ‬المعلومات‭ ‬المفبركة،‭ ‬التي‭ ‬أدلى‭ ‬بها‭ (‬حمد‭ ‬بن‭ ‬جاسم‭) ‬ضمن‭ ‬برنامج‭ (‬الصندوق‭ ‬الأسود‭) ‬ضد‭ ‬البحرين،‭ ‬مجرد‭ ‬قمة‭ ‬جبل‭ ‬الجليد،‭ ‬يظهر‭ ‬على‭ ‬سطح‭ ‬الماء‭. ‬والشاهد،‭ ‬أن‭ ‬المنطقة،‭ ‬تمر‭ ‬حاليا‭ ‬بفترة‭ ‬صعبة‭ ‬والناس‭ ‬تتقارب‭ ‬وتحمي‭ ‬أوطانها‭ ‬وتعزز‭ ‬لحمتها‭ ‬الوطنية،‭ ‬وبالتالي‭ ‬فلسنا‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الادعاءات،‭ ‬التي‭ ‬رددها‭ ‬حمد‭ ‬بن‭ ‬جاسم‭ ‬والذي‭ ‬كنا‭ ‬نتوقع‭ ‬منه‭ ‬تصحيح‭ ‬مواقفه‭ ‬حيال‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين،‭ ‬بعدما‭ ‬ابتعد‭ ‬عن‭ ‬الصورة‭.‬

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى