عبدالمنعم ابراهيم : زلة لسان بايدن تكشف نية لتوريط أوروبا في حرب أوكرانيا
هل هي زلة لسان من الرئيس الأمريكي جون بايدن.. أم إنها تعكس توجيهات أمريكية حقيقية حول الانخراط العسكري الأمريكي قريباً في حرب أوكرانيا؟ ففي كلمته الارتجالية المطولة وهو يتحدث إلى عدد من الجنود الأمريكان في (جيشوف) المدينة البولندية بالقرب من الحدود الأوكرانية، وقد تابعتها (بث مباشر) عبر (سكاي نيوز عربية) مساء الجمعة الماضي، قال بايدن مخاطباً جنوده الأمريكان: «لقد قدم الجيش الأوكراني بسالة في هذه الحرب ضد روسيا، وكذلك قدم الشعب الأوكراني بسالة في التصدي لمواجهة الغزو الروسي، وأنتم سوف تعرفون ذلك حين تذهبون إلى هناك»!!
زلة اللسان هذه تفضح التوجهات الحقيقية للإدارة الأمريكية الحالية بقيادة بايدن، فكل ما سمعناه منذ بداية الأزمة الأوكرانية تصريحات متكررة من الرئيس بايدن ووزير الدفاع أوستن ووزير الخارجية بلينكن بأن الجيش الأمريكي لن يدخل للقتال في أوكرانيا، وإنما سيتم تزويد الجيش الأوكراني بالسلاح المتقدم للتصدي للجيش الروسي ووقف تقدمه العسكري هناك، وقد قالها بنفسه (بايدن) قبل بدء الحرب في مقابلة تلفزيونية: «لن نرسل جنوداً للحرب في أوكرانيا»، لكن يبدو أن التوجهات السياسية للإدارة الأمريكية قد تتغير في أية لحظة وينخرط الجيش الأمريكي بشكل مباشر للقتال إلى جانب الأوكرانيين ضد الجيش الروسي.
هنا دعونا نعُد قليلاً إلى الوراء في رصد محطة تاريخية مهمة، فقد كانت أمريكا في بداية اندلاع الحرب العالمية الثانية عام 1939 تقف على الحياد، وعلى الأقل لم تشارك في الحرب عملياً مع (الحلفاء) ضد المحور)، وكانت بريطانيا تحديداً تحث (واشنطن) آنذاك على الدخول في الحرب ضد (النازية الألمانية) ولكن أمريكا كانت مترددة في ذلك، وجاءت الفرصة السانحة لرئيس الوزراء البريطاني آنذاك ونستون تشرشل حين علم من المخابرات البريطانية في وحدة فك الشيفرة والكود «انيغيما» السرية عن نية الجيش الياباني (من دول المحور) القيام بقصف ميناء (بيرل هاربير) الأمريكي بطائرات يابانية انتحارية، ولكن تشرشل لم يطلع أمريكا على هذه المعلومة الاستخبارية المهمة والخطيرة جداً.. لماذا؟
لأن ونستون تشرشل كان يريد توريط أمريكا وإقحامها للدخول مع (الحلفاء) في الحرب ضد (المحور) والنازية الألمانية بزعامة (هتلر) آنذاك، وقد نجح الدهاء البريطاني، حين قامت الطائرات اليابانية بضرب ميناء (بيرل هاربير) الأمريكي وقتل مئات الجنود الأمريكان هناك، إذ بعدها دخلت أمريكا بجنودها وجيشها في الحرب العالمية الثانية إلى جانب الحلفاء ضد المحور.
الآن في الوضع الحالي المتعلق بحرب أوكرانيا انقلبت الصورة.. صارت واشنطن هي التي تريد توريط أوروبا وحلف الناتو للدخول في حرب مباشرة ضد روسيا في أوكرانيا، رغم التصريحات الأمريكية السابقة بعدم نيتها الدخول في قتال مباشر ضد الجيش الروسي في أوكرانيا!!
إذن هناك نوايا أمريكية بدخول الحرب في أوكرانيا، وما قاله بايدن للجنود الأمريكان يوم الجمعة الماضي في القاعدة العسكرية على الحدود البولندية-الأوكرانية يعكس نوايا أمريكية حقيقية في القتال مباشرة ضد الجيش الروسي في أوكرانيا، وهو يريد توريط أوروبا بأكملها في تلك الحرب بحجة حماية نفسها من الجيش الروسي!
من أكثر الدول الأوروبية تحمسا للمخطط الأمريكي بريطانيا وبولندا، وكذلك كندا في أمريكا الشمالية، وهناك حماس متفاوت الاندفاع أو تردد أو رفض من بقية الدول الأوروبية للانخراط في حرب مباشرة ضد روسيا.
بشكل عام، من خلال محطات سياسية وعسكرية كثيرة فقدت أوروبا قرارها السيادي السياسي المستقل أمام القرار السياسي والعسكري الأمريكي، منذ سقوط الاتحاد السوفيتي في عام 1991، حتى الآن.. بدليل أن أمريكا ورطت أوروبا وحلف الناتو الأطلسي في حرب أفغانستان مدة عشرين عاماً، تكبدت فيها القوات الأوروبية خسائر باهظة في الأرواح والمعدّات والمال، ثم خرجت مهزومة من هناك بتسليم السلطة لحركة طالبان!!
كذلك ورطت أمريكا أوروبا أثناء غزوها واحتلالها العراق عام 2003، وعلى الرغم من ان واشنطن آنذاك لم تظفر إلا بموقف مشارك في القتال معها من قبل بريطانيا وحدها، فإن واشنطن استطاعت بعد سنوات ان تقود تحالفاً عسكرياً مكونا من العديد من الدول الغربية معها تحت اسم «تحالف دولي ضد الإرهاب» في سوريا والعراق!! وورطتهم مجدداً في حرب جديدة!
لذا تتطلع واشنطن حالياً إلى أن تورط أوروبا معها في الحرب القادمة ضد روسيا في أوكرانيا، رغم علمها بأن المخاطر الجيوسياسية التي تهدد الدول الأوروبية من دخولها في حرب مع روسيا النووية أكثر بكثير من المخاطر التي تهدد أمريكا البعيدة عن الحدود الأوروبية والروسية!!.. لكن أوروبا لا تستطيع ان تقول (لا) لواشنطن!