رأي في الحدث

بدر خالد البحر: خليج الخنازير

بعد خبر رجوع سفيرنا إلى بيروت، وصلتنا رسالة عاجلة من صديق «لبناني» قح، تتضمن نصيحة لحكومتنا المستقيلة، التي يمر مصيرها بحالة غريبة، ومضحكة من شر البلية، فنحن معها في سكوت مطبق «سمّاري»، أي على قارب بلا دفة تتلاطمه الأمواج!

رسالة أكرم تقول: «الشحادة في رمضان والحرامي سارق أموال الشعب، يرجى من الأخوة الخليجيين عدم إعطاء دعم للحكومة…». كلام أكرم الأشبه بالنبوءة، والذي قاله لبنانيون بعد حادثة تفجير المرفأ، قد تحقق، فميقاتي أعلن عن جولة خليجية وعربية، فهل سيأتينا بشنطة خالية ليملأها؟ حيث نحذر حكومتنا صاحبة عجز الموازنة من إعطاء فلس للبنان، فبنيتنا التحتية وشبابنا المنتظرون للمساكن أولى، لأن أموالنا ستدعم فساد قيادات لبنانية تملك مليارات من نهب لبنان صاحب مخزون الذهب الهائل، بعضهم تجّار دمّروا الخليج بمخدراتهم وتحالفهم الإيراني. وحتى لا نكرر ما كتبناه عن لبنان سنختصره برسالة خيّو أكرم، فحكومتنا التي هرول سفيرها إلى بيروت ربما نسيت تصريحات الوزير شربل وهبة، حليف «حزب الله»، الذي وصفنا كخليجيين بالبدو وأننا أوصلنا لهم تنظيم الدولة الاسلامية.

***

في مايو العام الماضي قلنا إن تصريحات مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى، جوي هود، نزلت علينا كالصاعقة لتدخله السافر في شؤوننا لقوله: «سنواصل دورنا الجاد في مكافحة الفساد ودعم وجود إطار تنظيمي شفاف»، ويقصد جذب الاستثمارات إلى الكويت، وقال مهدداً: «فنحن نعي حجم التحديات المستقبلية، ونأمل أن يعيها الآخرون أيضاً»، وطالبنا حينها وزير خارجيتنا بالرد على تصريحاته، ولكن لا شيء! وقد ربطنا تصريحاته بتسارع الفضائح السابقة للصندوق الماليزي والصفقة العقارية المشبوهة في أميركا للمتورطين بالصندوق، والسرعة الصاروخية باستقالة رئيس الوزراء السابق ومحاكمته وسجنه، أحداث أشبه ما تكون تنفيذاً للأوامر!

السفارة الأميركية هي الأخرى لا تتوقف عن تدخلها، كزيارة المستشار السياسي للسفارة ومرافقه منذ ثلاث سنوات لعزاء «البدون» المنتحر مع علم السفارة بحساسية الأمر، في سابقة خطيرة تزيد من تأجيج قضية المخالفين للقانون والمقيمين بصورة غير قانونية، رغم ما تقدمه الدولة لهم من مساعدات ساوتهم بالمواطنين في بعضها، ورغم الكشف عن أصول أكثر من تسعين في المئة منهم وتسجيلها في هوياتهم.

فالسفيرة الأميركية مستمرة بهذه الممارسات، رغم إعلان الجهاز المركزي لمعالجة أوضاع المقيمين بصورة قانونية استمرار تعديل أوضاع «البدون» حتى وصلوا إلى أكثر من ثمانية عشر ألف شخص، فإنها صرحت الأسبوع الماضي قائلة: «سنواصل العمل مع شركائنا الكويتيين في مجال حقوق الإنسان على مدار الساعة»، والذي كان تلميحاً عن مسرحية الإضراب عن الطعام لعراقيين يطالبون بالجنسية الكويتية، بل زادت تدخلها بشؤون الكويتية المتزوجة بغير كويتي عبر حسابها في تويتر، بدعوى المدافعة عنها لعدم مقدرتها على نقل جنسيتها إلى أبنائها!

نقول للسفيرة إن عجلة تدخلكم بالدول لم تتوقف، وآخرها في باكستان لإطاحة رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان، الذي واجه بتدخلاتكم طرح الثقة بالبرلمان، عقاباً لزيارته روسيا ولقائه بوتين، حيث تقدم خان مطلع هذا الشهر برسالة احتجاج للسفارة الأميركية.

فهل تود السفيرة ألينا تذكيرها بتاريخ بلادها الأسوأ في حقوق الإنسان، فالكويت تمنح بعض «البدون» حقوقاً مساوية للكويتيين، أما بلادها فتضع المخالفين للإقامة في مخيمات كسجناء حرب، والأدلة موجودة في وثائقيات بالإنترنت، كما رمت بعضهم عند الحدود المكسيكية وجردتهم من أبنائهم في أبشع انتهاك للإنسانية.

نحن نعتقد أن السفيرة ألينا تعرف السجل الجنائي لبلادها والتعذيب وجرائم الحرب وقتل الأبرياء من الأطفال والنساء، سواء في آسيا أو في الشرق الأوسط، وحروبها المفتعلة وتدميرها للشعوب وإطاحتها الانظمة بشهادة قادتها العسكريين كالجنرال ويسلي كلارك، حروب كثيرة تمر اليوم ذكرى واحدة منها قبل واحد وستين عاماً، حين حاولت إطاحة ثورة فيدل كاسترو بعد نجاحها في كوبا، حيث فشل الهجوم الأميركي فشلاً ذريعاً، والذي نفذته في خليج الخنازير.

***

حاول بوعبدالعزيز في منتصف التسعينيات إقناعنا بشراء عقار في فرنسا بمنطقة غرونوبل، كونها جميلة وفق قوله، ولكن ما جعلنا نتراجع، حين زرناها، هو وجود كثير من مهاجري عرب شمال أفريقيا، وفي ليلة كنا في مقهى نتبادل حديثاً ضاحكاً، يبدو أنه لم يرق لأحد مفتولي العضلات منهم، فجاءنا سائلاً: من أين أنتم؟ فقلنا له: من الخليج، فقال: خنازير النفط، فقلنا وما شأنك أنت؟ فلولا سرقتكم من زعمائكم لما جئت هنا لاجئاً، فدار حديث لطّف الجو قليلاً، ولكنه بالنهاية راح يمشي قائلاً: خليج الخنازير!

فبعد كل هذا الدعم الذي يقدمه الخليج لتلك الدول، الوزير شربل وهبة يرانا «بدواً»، وعرب آخرون يروننا «خنازير»!

***

إن أصبت فمن الله وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى