جعفــرعبــاس : وصفة فك العنوسة
سعدت أيما سعادة بزيارة المملكة المغربية والسوح فيها بالطول والعرض، ووقعت في غرام العديد من مناطقها وقراها ومدنها (ما عدا الدار البيضاء لأنها مدينة أوروبية أكثر منها مغربية)، وهناك اكتشفت علاجاً ناجعاً للعنوسة بسعر الكلفة، ليس هذا فحسب، بل إذا كانت هناك فتاة تريد أن تتزوج شخصاً معيناً فإن الاكتشاف الأبو الجعافري يضمن لها الزواج بذلك الشخص، وكل المطلوب من الراغبة بالزواج سواء كانت من العوانس أو الأوانس هو أن توفر قيمة تذكرة سفر إلى المملكة المغربية، وبالتحديد إلى الدار البيضاء، ثم مغادرتها فورا باستئجار سيارة أو قارب صغير للتوجه إلى مصب نهر أم الربيع (اسم النهر نفسه يوحي بالرومانسية والتفاؤل وشهر العسل)، وعند مصب النهر في المحيط الأطلسي ينتصب ضريح «للا» عايشة البحرية، وللا في العامية المغربية لقب يطلق على سيدات الطبقات اللي فوق، وذوات «البركات والكرامات» أي انه كنية تشي بالتقدير الخاص.
اكتسبت عايشة هذا اللقب لأنها أتت في زمان غابر من العراق، للحاق بحبيبها المغربي بوشعيب الرذاذ، وبينما هي في المركب في نهر أم الربيع انقلب بها وماتت غرقاً، ومن هنا «حلت فيها البركة»، وتم دفنها في مصب النهر وصار قبرها مزاراً وضريحا، ولكن محدش بياكلها بالساهل، ولا بد دون شهد «العريس» من إبر النحل، ومن ثم فإن المنطقة المحيطة بالضريح تمتلئ بنبتة الصبار الشوكي الذي يسد معابر وعرة، وعلى الباحثة عن العريس أن تتحمل بعض الوخزات حتى تصل إلى «الضريح» حيث توجد مجموعة من النسوة اللاتي يحملن تفويضاً بتوزيع بركات «للا» عايشة، ويستجبن لطلبات الفتيات بطريقة «ما يطلبه المستمعون»: أريد أتزوج بجعفر عباس «بالاسم». يا جعفر، يا ما بدي زواج! هنا تشرح لك النسوة المبروكات أن الحصول على أبي الجعافر عريساً يحتاج إلى طقوس معينة، وإلا… قد يحدث التباس وينتهي بك الأمر متزوجة بخنّاس بن وسواس، الذي لا هو رجل ولا هو امرأة ولا هو قرد، وعليك تقديم كمية من الحناء والشموع و«إكرامية» لأولئك النسوة، والإكرامية كما نعلم ليست لها علاقة بالكرم، بل هي مبلغ من المال يطلبه أشخاص لا كرامة لهم، أو يقدمها أشخاص لا ذمة لهم لأناس ضمائرهم في إجازة مفتوحة ويسميها القانون رشوة: ساعدنا على الحصول على المناقصة وإكراميتك محفوظة عندنا!! سجل لي الأرض الواقعة شمال دوار لهفان بن شفطان، ولك إكرامية معتبرة.
نعود الى السيدة عايشة التي تجعل أمور الزواج ماشية، فبعد أن تردد النسوة المبروكات عبارات لا يفهمها العامة، مطلوب من الباحثة عن عريس أن تستنشق كمية من البخور تعادل دخان ثلاثمائة سيجارة من دون فلتر، ثم تكتب اسم العريس المطلوب بالحناء على جدار الضريح، وبعدها (خلّي أعصابك قوية) يتم إلقاء الملابس الداخلية للباحثة عن زوج على شجرة قريبة من الضريح إيذاناً بفك النحس، وبعدها تعود المرأة أو الفتاة إلى بيتها على وجه السرعة حتى تكون في استقبال العريس الذي سيطرق الباب بمجرد أن يبث الضريح إشارات لاسلكية أو بالمايكروويف إليه بأن قراراً مباركاً صدر بزواجه من فلانة (لا أعرف ما إذا كانت تلك البركات ستنتقل بواتساب ومسنجر وإيمو في عصر الهواتف الذكية، ما قد يعني ان العريس قد يطير من الراغبة في الزواج به، إذا لم يكن يملك هاتفا عليه القيمة).
ولكن يؤسفني إبلاغ المستنجدات بـ«للا» عايشة أن الحصول على عريس بالاسم يتطلب تضحيات ونفقات إضافية: مثلاً تريدين الزواج بجعفر عباس وأنت تعلمين أنه متزوج ومقتنع بزوجته، ولكنك مقتنعة بأن سعادتك لن تكتمل إلا بالزواج به، في هذه الحال عليك أن تذبحي ديكاً أسود (حتى لو كنت تريدين الزواج ببراد بيت بعد أن أصبح خالي طرف بعد أن خلعته أنجلينا جولي، يجب أن يكون الديك أسود اللون) وترمين بالديك في مياه المحيط… وخلال ثوان يرن هاتفك الجوال: اسمي جعفر عباس… هل تقبلينني بعلا… بالمسيار؟ يا لهوي وتهوي البنت في المحيط أو النهر وتقوز بلقب «شهيدة العشق».