عبدالله الأيوبي : الإرهاب التكفيري لن يهزم مصر
لم تكن العملية الإرهابية الأخيرة التي استهدفت نقطة لرفع المياه بشبه جزيرة سيناء المصرية والتي أسفرت عن استشهاد أحد عشر عنصرا من الجيش المصري بينهم ضابط وإصابة خمسة آخرين، سوى حلقة أخرى من حلقات سلسلة الجرائم الإرهابية التي تقوم بها الجماعات التكفيرية، سواء في شبه جزيرة سيناء أو في مناطق أخرى من الأرض المصرية، فهي ليست الأولى التي تستهدف فيها هذه الجماعات قوى الأمن المصرية، بل والعديد من المرافق المدنية والدينية أيضا، وليس في الأفق ما يشير إلى أن هذه الجماعات الإرهابية في وارد التراجع عن النهج الدموي الذي تسلكه منذ أن أوجدت لنفسها مواطئ أقدام على الأرض المصرية وفي غيرها من الأماكن خارج مصر أيضا، إذ هناك اتصال وتواصل مع الجماعات التكفيرية في دول أخرى مثل سوريا وليبيا بل والعراق أيضا.
مثل هذه الجرائم لن تنال من عزيمة الشعب المصري على اجتثاث الإرهاب بجميع أشكاله، وهي لن تستطيع تحقيق أهدافها الهدامة من وراء استهداف أبناء الشعب المصري من عسكريين ورجال أمن، فهذه الأعمال لا تخدم سوى أعداء الشعب المصري وتصب في خانة جميع من يتربص بأرض الكنانة، فهذه ليست سوى عمليات قتل عشوائي تستهدف مواطنين مصريين نذروا أرواحهم لخدمة وطنهم وشعبهم، وبالتالي فإن أبناء الشعب المصري لن يغفروا لجماعات الفكر التكفيري ومن يقف وراء جرائمها.
هذه الجماعات تدرك جيدا أنها لن تستطيع على الإطلاق أن تصل إلى الهدف المبتغى من تنفيذ مثل هذه الجرائم، أي فل عزيمة الشعب المصري ممثلا في جيشه وقوى الأمن الأخرى وإصرارها على هزيمة الفكر التكفيري مهما اقترف مريدوه من جرائم دموية، كما حدث في الجريمة الأخيرة، فالتربة المصرية لا يمكن أن تحتضن مثل هذا النهج وطبيعة الشعب المصري أصلا لا يمكن أن تنسجم مع الأفكار التكفيرية والنهج الإرهابي الذي تسلكه الجماعات التي اختارت طريق الدماء والإجرام.
المعركة ضد جماعات النهج التكفيري لا تتوقف على التصدي العسكري والأمني لأنشطة هذه الجماعات، مع التأكيد هنا أن التعامل العسكري والأمني مع الجماعات التكفيرية ومن يسلك طريقها، هو خيار لا مفر منه، وخيار مطلوب في مثل هذه الظروف، فالمعركة ضد هذه الجماعات، ومواجهة التطرف بكل أشكاله يجب أن تأخذ طرقا ومسارات متعددة، منها الاجتماعية والسياسية، إلى جانب الأمنية والعسكرية، فهذه الجماعات ليست أشباحا تتحرك وقتما تشاء وتنفذ جرائمها أينما أرادت، وإنما هم أفراد يعيشون وسط تجمعات بشرية ومن المؤكد انهم يحظون بغطاء يؤمن لهم تحركاتهم.
هذه حقيقة تعرفها أجهزة الأمن المصرية وهي عملت ومازالت على تجفيف الينابيع التي تتغذى عليها هذه الجماعات، وفي مسعاها هذا حققت الكثير من الإنجازات وأحبطت الكثير من الجرائم الإرهابية، لكن مسألة اجتثاثها تماما بحاجة من دون أدنى شك إلى وقت، أما قضية تحقيق ذلك، فهو ليس مستحيلا، وخاصة أن هناك إرادة رسمية وأهلية على التخلص نهائيا من هذه الآفة التي تنتشر في أكثر من محيط، فليست مصر وحدها التي تعاني من جرائم الجماعات التكفيرية، وإنما هناك الكثير من الدول، ومنها على سبيل المثال لا الحصر جارتها الكبيرة جغرافيا، أي ليبيا التي حولتها جريمة الحرب الأطلسية إلى منبع للخطر الذي يهدد مختلف دول الجوار.
ليس هناك أدنى شك في أن مصر قادرة على تجاوز محنة الإرهاب التكفيري، رغم كل الصعوبات التي تواجهها وقدرة الجماعات التكفيرية على تأمين قدراتها واحتياجاتها من المال والعتاد من خلال ما يربطها من علاقات مع قوى خارجية تؤمن لها ذلك، ثم إن شبه جزيرة سيناء شاسعة وكبيرة وذات تضاريس وعرة تشكل عوائق طبيعية أمام جهود قوى الأمن والجيش المصري، والكثير من أفراد هذه الجماعات تعرف جيدا تضاريس المنطقة وهي تستغل ذلك للقيام بهذه العمليات الإرهابية، ولكن تبقى هذه الظروف ذات بعد زمني محدد، أي أن هذه العوائق الجغرافية لن تبقى دائمة التأثير على جهود الجيش المصري في محاربة هذه الجماعات.
تعامل مصر مع الإرهاب وجماعات الفكر التكفيري ليس وليد المستجدات التي طرأت على المنطقة بعد ما يسمى بــ«الربيع العربي»، فمصر ظلت في صراع منذ عقود مع الفكر التكفيري والجماعات المتطرفة، التي لجأت إلى أعمال إجرامية استهدفت مختلف فئات الشعب المصري وقطاعاته التنموية المختلفة، وبالتالي فإن الخبرة التي تتمتع بها مصر في التصدي لهذا النهج التدميري يعد مكسبا في الصراع وصولا إلى تحقيق التدمير الكامل للقوى الظلامية والتكفيرية وتخليص الشعب المصري من هذه الآفة.
صحيح أن هذه المستجدات أعطت زخما جديدا للجماعات التكفيرية والإرهابية من خلال ما توافر لها من ظروف موضوعية تمثلت في تأمين مواطئ أقدام لها في أكثر من بلد، ومنها بالطبع ليبيا التي تجاور مصر بحدود طويلة وذات خصائص جغرافية وعرة، وكذلك سوريا التي تحولت إلى قاعدة إرهابية خطيرة على جميع دول المنطقة، لكن هذه المستجدات لن تبقى دائما صالحة لكل زمان ومكان.