رأي في الحدث

أحمد الجارالله : دولٌ ابتُليت بقادة جهلة

لا تزال مجموعة من الدول العربية وصمت نفسها بالثورية، تبحث عن شرعيتها منذ عقود في ثنايا الأوهام، في محاولة يائسة من الانقلابيين فيها إلى فرض أنفسهم على شعوبهم، وتسويق فكرة أنهم يخوضون مواجهة ممتدة عبر السنين لمؤامرة ما، هي في الحقيقة شماعة يعلقون عليها فشلهم، ومنع الآخر من المشاركة في صناعة الدولة، فيما فرضوا سلطة قمعية أدت إلى تصحُّر كل شيء وتحويل الدولة يبابا.
هكذا كانت حال ليبيا وقبلها العراق ومصر وتونس والجزائر، ولاحقا لبنان، وبينها اليمن وغيرها من الدول التي أصيبت بحمى الثورات والانقلابات، حين فرضت جماعات جاهلة نفسها لإدارة دول كانت تتمتع بشرعية تاريخية، ولها قوانينها ودساتيرها المنظمة لشؤون الحياة كافة.
في نوع من الاختراع الفاسد، أخذت بعض تلك الجماعات من هند غاندي مثالا، لكنها سقطت في بداية الطريق، لأن سلمية ثورتها تحولت عنفاً منظماً، لأن النموذج المتّبع كان في الأصل قاصراً، ومثلما أدت الثورة اللاعنفية الهندية إلى تقسيم تلك الدولة الكبيرة، وأسقطتها في براثن أزمة هوية أنتجت تبعات اقتصادية ومعيشية لا يزال يعاني منها عشرات ملايين الهنود، لم تكن حال من اتبع ذلك النموذج أفضل.
عربياً تقسمت اليمن ولا تزال تعاني من التقسيم إلى اليوم، بينما غرق لبنان في حرب أهلية استمرت نحو عشرين عاماً، فيما القتل والنفي وغياب المؤسسات حكم ليبيا القذافي أربعة عقود حتى تكشف المشهد فيها بعد العام 2011 عن لا دولة، أما تونس فلا تزال بلا وجهة منذ أسقط نظام بن علي، والجزائر ليست أفضل حالاً.
إضافة إلى ذلك، ثمة نموذج إقليمي يدلل على مدى فشل تلك الثورات، فمنذ انقلاب الخميني على شاه إيران تعيش هذه الدولة الكبيرة عزلة تامة بسبب محاولة الطغمة الحاكمة تصدير أزماتها الداخلية إلى الخارج من خلال رعايتها للإرهاب وتدخلها في شؤون الدول المجاورة، وشنها الحروب بالوكالة في العراق واليمن وسورية.
أيضاً حاول نظام الملالي الباحث عن شرعيتها الشعبية في الخارج ومنذ العام 1979 جعل لبنان نموذجا لمشروعه الإقليمي الذي تكشف خراب اقتصادي ومالي وأمني فيما عميل الملالي المدلل حسن نصرالله يخرج علينا بين الفينة والأخرى مهدداً بإزالة إسرائيل من الوجود، وهو لم يستطع تأمين الكهرباء لمناطق سيطرته.
في هذا الشأن، تحضرني طرفة عن أحد الوزراء الثوريين في دولة عربية حين أخذته الحماسة إلى أن يقول في جلسة لمجلس الوزراء نحن نعاني من أزمة اقتصادية حادة، وذلك بسبب الحصار الأميركي المفروض علينا، فلماذا لا نعلن الحرب على واشنطن التي لا شك ستهزمنا وحينها ستضطر إلى إطلاق مشروع مارشال على غرار ما فعلته في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، وبهذا نحل أزمتنا، وبعدها نعلن المقاومة ضد قوات الاحتلال.
المفاجأة أن رئيس الجمهورية الحاضر في الاجتماع كان أكثر سذاجة من وزيره، إذ قال افترض أننا هزمنا أميركا فمن أين لنا الإمكانات كي نعيد إعمار الولايات المتحدة؟!
نصرالله بسذاجته يدرك جيدا أن أي حرب مقبلة اسرائيل ستدمر لبنان، فيما هو مقتنع بأنه سيدمرها، لكن ما يمنعه هو من أين سيأتي بالأموال لإعادة إعمارها، لهذا يبيع من سردابه الأوهام للفقراء والسذج الذين يصفقون له، فيما هم لا يدرون إلى أين يقودهم هذا المأفون الذي دمر لبنان ويمعن حالياً في تخريبه أكثر.
نصرالله نموذج للقادة الجهلة الغارقين بالأوهام، الذين جعلتهم الصدفة في أعلى مناصب المسؤولية، فقادوا شعوبهم إلى الفقر والأزمات، وبدلا من أن يستعينوا بمستشارين مخلصين لأوطانهم، أتوا بمجموعة من الأفّاقين المتمصلحين وجعلوا منهم مسؤولين عن مصير دولهم فأهلكوا الزرع والضرع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى