رأي في الحدث

أحمد الجارالله : نصر إلهي للبنان

لعقود عدة اعتبرت الانتخابات النيابية اللبنانية مسرحية، لا طعم لها ولا رائحة ديمقراطية، لأنها باختصار كانت تجري تحت أسنّة الرماح الفئوية الطائفية، لذا تخيّلت نسبة كبيرة من الشعب أن التغيير مستحيل، وحتى لو حصل في بعض المناطق فإنه رتوش للوجوه البشعة الكالحة.
لقد أمسك “حزب الله” بخناق لبنان طوال فترة ما بعد الحرب، وأخذه بالقوة إلى حيث يريد، وحاول قطعه عن محيطه العربي عبر حملاته العدوانية على دول الخليج، أكان في الإعلام أو بتهريب المخدرات، والعمليات الإرهابية، المستترة والعلنية، وهو رأى بسحب السفراء الخليجيين من بيروت انتصاراً، لكن كل هذه الممارسات سقطت في صندوق الاقتراع، حيث قال شرفاء لبنان كلمتهم بوجه منظومة القتل والتفجير والإفقار وتهجير الناس، جاعلة من هذا البلد الصغير الجميل أشبه بمصاب بالطاعون يفر منه الجميع طلباً للنجاة.
في الانتخابات الأخيرة، قالت الغالبية الشعبية إن لا مكان بعد اليوم للمنظومة التي يقودها هذا الحزب الإرهابي، وإن لبنان ليس مزرعة للولي الفقيه الفارسي الذي يواجه اليوم أسوأ وضع منذ العام 1979 بتلك الانتفاضة الشعبية المباركة في عموم المدن الإيرانية، وخروج بعضها من قبضته لتصبح تحت سيطرة الثوار، إضافة إلى هزيمته الواضحة في اليمن عبر تحجيم الشرعية لعصابة الحوثي العميلة، والانتكاسة الكبيرة التي مُنيت بها جماعاته العراقية المأجورة في الانتخابات الأخيرة، إضافة طبعاً إلى النقمة الشعبية السورية الكبيرة على وجود عصاباته في سورية.
من هنا يمكن القول إن مشروع تصدير الثورة الخبيثة الذي كرسها الخميني في دستور نظام الكهوف الظلامية شارف على الموت، ولم يبق إلا إعلان وفاته من خلال انتصار أحرار إيران واستئصالهم الورم السرطاني الملالوي.
لا شك أن الخسارة التي مني بها محور “حزب الله” في لبنان كبيرة ومدوية، ودلالة واضحة على أن الأحزاب التقليدية مجتمعة باتت عليها إعادة حساباتها، لأن فوز نحو 17 نائباً من ممثلي ثورة “17 تشرين”، ليس بالأمر السهل، ولهذا فإن السعي إلى إقامة جبهة سيادية عريضة يستدعي من جميع أحرار لبنان التعالي على الحسابات الشخصية والفئوية، لأن منظومة الإرهاب لن تقبل بسهولة بهذه الهزيمة المريرة، وستحاول خلط الأوراق مجدداً، إما بتعطيل مجلس النواب، كما هي عادتها، أو بالعودة إلى نهج الاغتيالات، وإذا استدعت حاجة المحور الإقليمي الذي تمثله أن يفتح “حزب الله” حرباً مع إسرائيل فلن يتأخر في ذلك.
لطالما اعتبر لبنان ثيرموميتر الإقليم، فمنه يمكن معرفة اتجاهات الريح السياسية الإقليمية، وبالتالي فإن النتائج الرسمية للانتخابات التي أُعلنت أمس تؤكد أن ثمة تغيرات كبيرة ستشهدها المنطقة والحصيف من يتقي تبعاتها السلبية، لذا على السياديين اللبنانيين اليوم أن يعملوا على استئصال أصل الداء الذي دمر بلدهم، وإلا يكونون قد ضيعوا أهم الفرص التاريخية المتاحة أمامهم إذا خضعوا للترهيب الذي سيمارسه هذا الحزب الإرهابي في المرحلة المقبلة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى