عبدالمنعم ابراهيم : حين حوّل «أوباما» البحرين من «أرض موعودة» إلى «محروقة»!
بعد العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا أصبح هناك عالم جديد يتشكل في رفض «عالم القطب الغربي الواحد»، ويدعو إلى «عالم متعدد الأقطاب»، وهو ما ترفضه أمريكا طبعا لكي تبقى هي في زعامة العالم، ويحق للدول العربية أن تبحث عن مصالحها الدولية في الاختيار بين هذين النموذجين، وينطبق ذلك أيضاً على السعودية والإمارات وبقية دول الخليج المصنفة منذ عقود طويلة على أنها دول تدور في الفلك الأمريكي-الغربي، وتربطها بواشنطن اتفاقيات عسكرية واقتصادية كثيرة، ولم تكن دول الخليج العربي تشتكي من هذه العلاقة الاستراتيجية مع أمريكا، وعلاقات الصداقة بين الطرفين، حتى عام 2011 الذي وضع فيه الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما خططه لإسقاط الأنظمة العربية، واستبدالها بأنظمة من أحزاب «الإسلام السياسي» في الوطن العربي، وتحرك بشكل محموم ومتسارع مع وزيرة خارجيته آنذاك هيلاري كلينتون في إشعال فتيل ما أسماه «ثورات الربيع العربي» في تونس ومصر وليبيا وسوريا والبحرين واليمن والمغرب والأردن، ولم تخل دولة عربية من وصول تداعيات هذه الموجة العاتية من الفوضى والمظاهرات المفتعلة، بل والإرهاب أيضاً.
هنا حدث تحول مفاجئ في العلاقات الأمريكية-العربية والخليجية أيضا، فصارت الولايات المتحدة الأمريكية في تفكير الكثير من الحكومات العربية طرفا معاديا لمصالحها القومية والأمنية، وليست دولة صديقة كما كانت تدعي «واشنطن» سابقاً.. وقد عانينا نحن في البحرين بشكل أكبر من هذا المخطط التآمري «الأوبامي» عام 2011، حين دعمت الإدارة الأمريكية آنذاك ذيول وعملاء إيران في البحرين، وتعاملت معهم على أنهم «معارضة ديمقراطية»!
هذا لم يعد سرّا الآن، فقد كشف عن ذلك الرئيس أوباما نفسه في كتابه «أرض موعودة».. والذي نشر فيه مذكراته إبان رئاسته للولايات المتحدة في الفترة ما بين 2008 و2016، وحين نشوب ثورة 25 يناير في مصر، والدعوات المشابهة عبر الفضاء الإلكتروني في البحرين. وفي كتابه يروي أوباما محادثته مع ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، الذي وصفه بالحاكم الفعلي للإمارات العربية المتحدة، وذلك بعد دعوة الولايات المتحدة الرئيس المصري محمد حسني مبارك إلى التنحي عن الرئاسة في أعقاب «الثورة» التي اندلعت في 25 يناير 2011.
وقد تناول الأستاذ أنور عبدالرحمن رئيس التحرير في «أخبار الخليج» هذه الجوانب المضيئة في مواقف الشيخ محمد بن زايد المتضامنة مع مملكة البحرين ضد التدخلات الأمريكية في الشؤون الداخلية للبحرين، وعرضها الأستاذ أنور عبدالرحمن في مقالته الافتتاحية بالجريدة يوم السبت الماضي.. حيث يقول أوباما في وصفه للشيخ محمد بن زايد: «شاب متطور، مقرب من السعوديين، وربما أكثر القادة ذكاءً في الخليج»، مضيفاً «أن ولي عهد أبوظبي أخبره بمتابعة دول الخليج لتصريحات الإدارة الأمريكية بشأن مصر، وذلك بقلق متزايد».. وقال أوباما: إن حديث الشيخ محمد بن زايد في مكالمة هاتفية بشأن التعامل مع الوضع في البحرين كان بمثابة تحذير أكثر من كونه طلبا للمساعدة للتعامل مع تداعيات الوضع.
وقد تجاهل أوباما الجهود الكبيرة والحضارية المتقدمة التي وفرها جلالة الملك المعظم -حفظه الله- في مشروعه الإصلاحي الديمقراطي لمملكة البحرين، وأفكاره المستنيرة في قيادة البلاد.
ماذا يعني كلام أوباما هذا؟.. يعني أن الإدارة الأمريكية في عهد أوباما كانت تضع في حساباتها «إسقاط النظام» في مملكة البحرين.. وأن البحرين كانت مستهدفة من قبل المشروع التدميري الأوبامي في الوطن العربي.. وقد انعكست هذه المواقف الأمريكية كمحرّض رئيسي لزيادة وتيرة العنف والإرهاب والتخريب وقتل رجال الشرطة والمدنيين والعمالة الآسيوية في المواجهات العنيفة التي شهدتها شوارع البحرين في مؤامرة عام 2011، والأعوام التي تلت تلك الأحداث أيضاً، بل وشجعت إدارة أوباما إيران للتحرك بشكل عدائي سافر وتدريب الإرهابيين الموالين لإيران على استخدام السلاح والمتفجرات بمراكز تدريب عسكرية في إيران والعراق وسوريا ولبنان.. وقد شاهد مسؤولون أمريكان بأنفسهم مخازن الأسلحة والمتفجرات التي ضبطتها وزارة الداخلية في مناطق عديدة بالبحرين في سنوات الجمر تلك.
هذا الجرح العميق الذي تسببت فيه إدارة أوباما للبحرين يجعلنا نتساءل عما إذا كان نظام «القطب الأمريكي الواحد» حقاً نظاما دوليا منصفا للعالم؟