تقارير

في بريد هيلاري كلينتون.. أسباب خفية تقف خلف مقتل القذافي

ما كشفته رسائل هيلاري كلينتون يبدو عين الحقيقة.. إذ إن ما حدث لليبيا إبان وعقب الثورة الشعبية كان أمراً متعلقاً أكثر بالمال والنفط وأمن البنوك الغربية والأمريكية 

أظهرت رسائل إلكترونية منشورة لمرشحة الرئاسة الأمريكية، 2016، ووزيرة الخارجية في إدارة باراك أوباما؛ هيلاري كلينتون، أن حلف شمال الأطلسي (ناتو) عمل على منع القذافي من تأسيس بنك مركزي إفريقي بعُملته الخاصة المدعومة بالذهب؛ باعتبار أن مؤسسة كهذه ستتحدى قوة الدولار واليورو، وتسمح لإفريقيا بالهروب من قيودها الاستعمارية.

وبفضل نشر هذه الرسائل، تم دخول الناتو إلى ليبيا، وقتله رئيسها الأسبق معمر القذافي لم يكن بدافع الوقوف مع الثورة الشعبية الليبية والمنافحة عن الديمقراطية والحريات؛ بل كان الهدف منه منع إصدار عُملة إفريقية صعبة ومستقلة، من شأنها تحرير القارة من العبودية الاقتصادية للدولار وصندوق النقد الدولي والفرنك الإفريقي الفرنسي، وبالتالي السماح لإفريقيا بالتخلص من آخر سلاسل الاستغلال الاستعماري.

أثارت الرسائل المشار إليها آنفاً، الكثير من اللغط والجدل، وكشفت عن تفاصيل أخرى مهمة، ما كانت لتتوفر لولاها؛ فقد أشارت في وسائل إعلامية عديدة في هذا السياق إلى الزيارة القصيرة التي قامت بها وزيرة الخارجية الأمريكية، آنذاك، هيلاري كلينتون، إلى ليبيا في أكتوبر 2011 على أنها “جولة انتصار”، حين صرخت قائلةً: “جئنا ورأينا، لقد مات”.

تلك الصرخة سرعان ما تدحرجت وخفتت حيت تُركت ليبيا نهباً للفوضى وميداناً لحرب أهلية ضروس وتدخلات خارجية كثيفة وبؤرة للمتطرفين؛ الأمر الذي زعزع استقرار المنطقة برمتها، ووضع أوروبا تحت غزوات جيوش اللاجئين الهاربين من جحيم الحروب في إفريقيا والشرق والأوسط.

وحسب موقع “أنو نيوز” الأمريكي، كشفت إحدى رسائل هيلاري كلينتون، المسرَّبة، التي أصدرتها وزارة الخارجية عشية رأس السنة الميلادية الجارية، عن دليل يثبت أن مؤامرة حلف الناتو للإطاحة بالقذافي كان هدفها الأول هو سحق العُملة الإفريقية المدعومة بالذهب، والثاني هو الاستيلاء على احتياطي النفط الليبي.

عواقب المجابهة

من وجهة نظر آمنة عمر بابكر، الكاتبة الصحفية وأستاذة الإعلام في الجامعات البريطانية، التي تحدثت إلى”كيوبوست”، معلقةً على هذه التسريبات؛ أن القذافي، رغم ما يكتنف شخصيته وأداءه السياسي من رعونة وانفلات؛ فلا أحد بمقدوره أن يتجاوز قدرته على الاستقلالية ومجابهة الغرب ورغبته الحقيقية في الوحدة سواء أكانت عربية أم إفريقية، وأن ما فعله في الفضاء الإفريقي وما ظل يخطط لفعله، كان أكثر من مجرد تنظيم انقلاب نقدي إفريقي، لقد أثبت الرجل للغرب؛ أنه يمكن تحقق استقلال إفريقيا الاقتصادي والمالي عنه، وإلغاء تبعيتها لمؤسساته المتمثلة في البنك وصندوق النقد الدوليين؛ فالناظر إلى أحد أكبر وأهم المشروعات التي نفذها القذافي كالنهر الصناعي العظيم، الذي من شأنه تحويل المناطق القاحلة في ليبيا إلى سلة خبز؛ بتكلفة بلغت 33 مليار دولار، لا يفوته أنه تم تمويله بالكامل من قِبل البنك الليبي المملوك للدولة، وبالتالي فإن مشروعاً دون فوائد ودون دين خارجي، ليس أمراً مخيفاً فقط بالنسبة إلى الغرب، وإنما يستوجب العقاب.

تدمير مُمنهج

لماذا لم يكتفِ حلف الناتو بقتل القذافي، وإنما عكف على تدمير البنية التحتية لليبيا وقصف خط الأنابيب، وتدمير المصنع الذي ينتج الأنابيب اللازمة لإصلاحه؟ تتساءل بابكر، قبل أن تستطرد قائلةً: لقد عطل الناتو أيضاً أنابيب الري التي تخدم نحو 70% من السكان، وبالتالي أصبح النهر العظيم بلا قيمة فعلية.

تضيف بابكر: “وكأن الهدف من التدخل العسكري الغربي والأمريكي؛ تعطيل نمط الاستقلال الناشئ وتمزيق شبكة التعاون داخل إفريقيا التي تهدف إلى تسهيل الاعتماد على الموارد الذاتية؛ الأمر الذي يتعارض مع الطموحات الاقتصادية الجيوستراتيجية والسياسية لأوروبا والولايات المتحدة رغم زعمهما التدخل على أُسس إنسانية، ومن أجل إيقاف الفظائع التي ارتكبت في عهد معمر القذافي، رغم أن الكثير من منظمات حقوق الإنسان شككت في هذه الادعاءات بعد أن وجدت نقصاً في الأدلة، وإن كانت هناك أدلة قاطعة بحدوث ذلك في السنوات الثلاث الأخيرة قبل مقتل القذافي”.

عُملة الموت

لم يذهب المحلل والباحث السياسي المهتم بالشأن الإفريقي، عمر حسنين، بعيداً عن بابكر، حين أكد لـ”كيوبوست” أنه بحلول عام 2011 حققت ليبيا استقلالاً اقتصادياً كاملاً واكتفاءً ذاتياً وفائضاً من الغذاء والمياه النظيفة والنفط والاحتياطيات المالية، وأصبح التعليم والعلاج الطبي مجانَين؛ والحصول على منزل حقاً من حقوق المواطن؛ فتحولت ليبيا في عهد القذافي من إحدى أفقر دول القارة إلى أكثرها ثراءً، وإن كان ذلك لا ينفي الطبيعة الاستبدادية لنظامها الحاكم.ليس بعيداً عن ذلك، يضيف حسنين، كشفت إحدى رسائل البريد الإلكتروني لهيلاري كلينتون، التي تم التحقق منها من بين نحو 3 آلاف رسالة؛ ثلثها مُتبادلة مع صديقها سيدني بلومنتال، أن حكومة القذافي تملك 143 طناً من الذهب، وكمية مماثلة من الفضة تقدر بأكثر من 7 مليارات دولار؛ كان من المفترض استخدامهما لتغطية عُملة إفريقية تعتمد على الدينار الذهبي الليبي، كبديل عن الفرنك الفرنسي، وعليه بنت إدارة الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي، خططها للقضاء على هذا التوجه الليبي، بجانب الرغبة في الحصول على نصيب أكبر من النفط، وزيادة النفوذ الفرنسي في شمال إفريقيا، ومعالجة مخاوف فرنسا بشأن خطط القذافي طويلة المدى لتحل ليبيا مكان فرنسا كقوة مهيمنة في إفريقيا الفرنكوفونية، وفقاً لحسنين نفسه.

إسقاط النظام المالي العالمي

محاولة القذافي إطلاق عُملة إفريقية مستقلة لم تؤخذ على محمل الجد من قِبل الغرب إلا بحلول عام 2011، حين وصف ساركوزي القذافي بالمهدد للأمن المالي والاقتصادي للعالم؛ إذ ظلت ليبيا ودول إفريقية أخرى تحاول لعقود إنشاء معيار ذهبي، أي عُملة صعبة، لعموم إفريقيا.

وفي عام 2004، وبدفع من القذافي وبعض حلفائه من الزعماء الأفارقة، وضع البرلمان الإفريقي، المكون حينها من 53 دولة، خططاً للمجموعة الاقتصادية الإفريقية بعُملة ذهبية واحدة، كان يخطط لإطلاقها بحلول عام 2023.

لذلك فإن ما كشفته رسائل هيلاري كلينتون، يبدو عين الحقيقة، إذ إن ما حدث لليبيا إبان وعقب الثورة الشعبية كان أمراً متعلقاً بالمال والنفط وأمن البنوك الغربية والأمريكية. 

*”كيوبوست”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى