رأي في الحدث

أحمد الدواس : قد نبكي يوماً وطناً لم نصُنه كالرجال

كان الملك فيصل الأول، ملك العراق سنة 1921 أحد أفضل الساسة العرب، فقد ضرب مثالاً رائعاً للوحدة الوطنية، فبطانته كانت من العرب والأكراد، مسلمين ومسيحيين، سّنة وشيعة، قبليين وحضر، وكان الملك يزور المزارات الشيعية رغم انه ينتمي الى الطائفة السّنية، فكسب قلوب الأقليات في العراق مثل المسيحيين واليهود، وأفسح المجال لجميع الفئات العراقية لتولي الوظائف الحكومية.
كما احترم حكم القانون وقرارات المحاكم والقضاة، وكانت هناك حالات خسر الملك فيها القضايا أمام المحاكم، ولم يكن يجمع ثروة شخصية له، أوعقار على حساب عامة الشعب، وما كان لديه من مال موضع تدقيق البرلمان من وقتٍ لآخر، ومن تواضعه انه كان يجوب أنحاء العراق ويلتقي عامة الشعب.
كما اهتم بالتعليم والتنمية الاقتصادية، وفي عهده ظهر جيل بارز من المعلمين والأطباء والمهندسين والمعماريين والإداريين، وأقام روابط جيدة مع الدول المجاورة للعراق،
ومع القوى العظمى كذلك، ورأى ان التحالف مع بريطانيا
هو أمر ضروري لأمن وتنمية العراق، وبنى جيشاً جيداً ذي كفاءة.
توفي الملك فيصل “الأول” في عام 1933، واستمر “الحكم الملكي” في العراق حتى يوليو سنة 1958، لكن العالم العربي أُبتليّ في ذلك الحين بأصوات مفكرين عرب تنادي بالاشتراكية، وظهر نظام عربي معروف أوهم العرب بمزايا الاشتراكية والانقلاب على الملك أينما وجد، فبعد إطاحة الملك فاروق في مصر تم إسقاط الحكم الملكي في العراق من قبل الجيش بقيادة عبد الكريم قاسم، وقُتل خلال الانقلاب الملك فيصل “الثاني” وولي العهد عبد الإله، ورئيس الحكومة نوري السعيد، ثم أطيح بالنظام الملكي في اليمن وفي ليبيا وكمبوديا وإيران ونيبال.
وهكذا فمن حرضوا على “الانقلاب على النظام القائم” جلبوا على أنفسهم وشعوبهم الكوارث والمحن.
لقد كان بعض العرب يراهن على سقوط أنظمة دول الخليج، ولله الحمد، لم يحدث ذلك، بل سقطت دولهم، مع إننا نتمنى لهم الخير، ولن نتخلى عنهم حاضراً ومستقبلاً.
في بلدنا أخذ بعض النواب يشحنون النفوس ضد رئيس الحكومة من خلال التهديد بالاستجوابات، لزعزعة أركان هذا المنصب الذي يتولاه شيخ موقر حتى تضيق الدولة ذرعاً بذلك وتنظر أو تقبل برئيس حكومة شعبي، وهنا تحدث الكارثة، فقد رأينا أن مجرد الإطاحة بالنظام القائم جلب الأزمات والكوارث على الدول.
فعندما يتولى المنصب مواطن عادي فمن المؤكد أنه سيحابي رفاقه أو قبيلته، عندئذٍ سيتمزق المجتمع الكويتي بشدة لأن قلوب الكويتيين ستكون مشحونة بلغة الكراهية ضد بعضهم بعضا، وتضيع حقوقهم، ولن يجد ابن المواطن وظيفة لأن ابن هذه القبيلة أو تلك قد ظفر بها من خلال المحاباة القبلية، وسيزداد الظلم بين الكويتيين أكثر مما هو عليه الآن، ويعم السخط والحنق على السلطة، ولن يهدأ بال بعض الناس، فسوف يقولون “لِمَ أُختير هذا رئيساً لحكومة شعبية وليس ذاك الشخص؟ وقد تحدث اضطرابات داخلية فيخرج من بيننا من يقول إن رئيس الحكومة الشعبي ظالم لا يستحق منصبه وله مساوئ ومفاسد ونطالب بمحاكمته، فيتدهور وضع البلاد، أو تقول قبيلته التي ينتمي إليها: إن الحكم لنا الآن، وتدريجياً قد تقوم بانقلاب ما.
كادت الكويت تضيع بسبب هؤلاء النواب، ممن ينادون بتعيين رئيس حكومة شعبي، هؤلاء النواب أقرب الى عناصر الهدم لا الى البناء، انظروا لعواقب الإطاحة بالنظام الملكي في الدول العربية وإيران ونيبال وكمبوديا، كأمثلة.
أنا هنا لا أدافع عن الحكومة، فأداؤها سيئ كما هو واضح، وقد هضمت حقي الوظيفي عندما اشتغلت فيها وظلمتني، ولم آخذ حقي منها كاملا مما اضطرني الى رفع قضية ضدها أمام المحاكم، فمن مساوئها أنها تحابي وترقي المقربين منها، أما المخلص والكفء فتتجاهله وتظلمه ولا تقيم له وزنا.
أتحدث هنا كمواطن، فكفى كفى ما حدث للكويت، احمدوا ربكم على النعمة بينما الوضع الإقليمي مضطرب للغاية وشعوب العالم تعاني الأزمات، حبوا وطنكم يا جماعة ولا تنساقوا وراء الجهلة حتى لا نتحسر يوماً على الحاضر، إن كان في هؤلاء النواب خير فليحافظوا على قسمهم أمام الله، وليعملوا بضمير وطني، ولتعمل الحكومة معهم في وضع تشريعات صارمة ضد الفساد ولمصلحة المواطنين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى