رأي في الحدث

جعفــرعبـــاس : البلخي يمدح والقصيبي «يردم»

الشعر‭ ‬عندي‭ ‬هو‭ ‬الشعر‭ ‬سواء‭ ‬كتب‭ ‬بالفصحى‭ ‬أو‭ ‬العامية،‭ ‬المهم‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬مستوفياً‭ ‬شروط‭ ‬الشعر‭ ‬المتعارف‭ ‬عليها‭ ‬وأن‭ ‬يرضي‭ ‬حسي‭ ‬الذي‭ ‬تشكل‭ ‬بأبي‭ ‬تمام‭ ‬والبحتري‭ ‬والمتنبي،‭ ‬انتهاء‭ ‬بشعراء‭ ‬أحياء‭ ‬مازالوا‭ ‬يملكون‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬كتابة‭ ‬الكلام‭ ‬الموزون‭ ‬المموسق‭ ‬الحابل‭ ‬بالمعاني‭ ‬والأخيلة،‭ ‬وكنت‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬عهدي‭ ‬بمنطقة‭ ‬الخليج‭ ‬لا‭ ‬أفهم‭ ‬حتى‭ ‬لغة‭ ‬الحياة‭ ‬اليومية‭ ‬لسكانها،‭ ‬فيقول‭ ‬لي‭ ‬أحدهم‭ ‬‮«‬فيني‭ ‬النودة‮»‬،‭ ‬فأقول‭ ‬له‭: ‬الله‭ ‬يشفيك‭ ‬لأنني‭ ‬لم‭ ‬أكن‭ ‬أعرف‭ ‬أن‭ ‬النودة‭ ‬هي‭ ‬النعاس،‭ ‬وإلى‭ ‬يومنا‭ ‬هذا‭ ‬فإنني‭ ‬إذا‭ ‬تبادلت‭ ‬الحديث‭ ‬مع‭ ‬بدوي‭ ‬أصيل‭ ‬أقول‭ ‬له‭: ‬من‭ ‬فضلك‭ ‬واحدة‭.. ‬واحدة‭.‬

وشيئاً‭ ‬فشيئا‭ ‬أصبحت‭ ‬أقول‭ ‬لزميل‭ ‬العمل‭ ‬الخليجي‭ ‬‮«‬طرّش‭ ‬الأوراق‮»‬‭.. ‬يعني‭ ‬‮«‬أرسلها‮»‬‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬الكلمة‭ ‬تعني‭ ‬‮«‬الاستفراغ‮»‬‭ ‬في‭ ‬العامية‭ ‬السودانية،‭ ‬وإذا‭ ‬نرفزني‭ ‬ذلك‭ ‬الزميل‭ ‬أقول‭ ‬له‭: ‬مالت‭ ‬عليك،‭ ‬ومعناها‭ ‬‮«‬يخرب‭ ‬بيتك‮»‬‭ ‬وأصبحت‭ ‬استسيغ‭ ‬الشعر‭ ‬النبطي،‭ ‬أي‭ ‬العامي‭ ‬باللهجة‭ ‬الخليجية،‭ ‬ثم‭ ‬حصلت‭ ‬على‭ ‬مجلات‭ ‬خليجية‭ ‬متخصصة‭ ‬في‭ ‬الشعر‭ ‬الشعبي‭ ‬العامي،‭ ‬ووجدت‭ ‬فيها‭ ‬شعراء‭ ‬شعبيين‭ ‬ذوي‭ ‬شاعرية‭ ‬آسرة،‭ ‬تخطوا‭ ‬المراهقة‭ ‬الشعرية‭ ‬والحديث‭ ‬عن‭ ‬الصد‭ ‬والهجران‭ ‬والعزول‭ ‬ويتناولون‭ ‬في‭ ‬كفاءة‭ ‬واقتدار‭ ‬مختلف‭ ‬القضايا‭ ‬بلغة‭ ‬وسطى‭ ‬بين‭ ‬الفصحى‭ ‬والعامية‭ ‬تجعل‭ ‬شعرهم‭ ‬يجتاز‭ ‬الحدود‭ ‬السياسية‭ ‬ويدخل‭ ‬عقول‭ ‬وقلوب‭ ‬محبي‭ ‬الشعر‭ ‬العربي‭ ‬على‭ ‬اختلاف‭ ‬جنسياتهم‭.‬

مناسبة‭ ‬هذا‭ ‬الكلام‭ ‬قصيدة‭ ‬من‭ ‬ستة‭ ‬وثلاثين‭ ‬بيتاً‭ ‬أرسلها‭ ‬لي‭ ‬الأستاذ‭ ‬السعودي‭ ‬‮«‬السيد‭ ‬البلخي‮»‬‭ ‬قبل‭ ‬سنوات‭ ‬بينما‭ ‬كنت‭ ‬في‭ ‬زيارة‭ ‬لمدنية‭ ‬جدة،‭ ‬فأطربتني‭ ‬لعدة‭ ‬أسباب‭ ‬أهمها‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تجده‭ ‬في‭ ‬مطلعها‭: ‬

أبدي‭ ‬كلامي‭ ‬بالسلام‭ ‬يا‭ ‬أبو‭ ‬الجعافر‭ ‬يا‭ ‬سليل‭ ‬الكرام

هلا‭ ‬وسهلا‭ ‬في‭ ‬بلدك‭ ‬الأول‭ ‬فجدك‭ ‬عنترة‭ ‬الضرغام

سعودي‭ ‬الأصل‭ ‬يوم‭ ‬لا‭ ‬جنسية‭ ‬بالجاهلية‭ ‬وبالإسلام‭!!‬

ويمضي‭ ‬هكذا‭ ‬مازجاً‭ ‬الفصحى‭ ‬بالعامية‭ ‬واستميحه‭ ‬العذر‭ ‬في‭ ‬عدم‭ ‬نشر‭ ‬القصيدة‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬مقاطع‭ ‬منها‭ ‬لأحتفظ‭ ‬بها‭ ‬لنفسي‭ ‬مع‭ ‬شكري‭ ‬الجزيل‭ ‬للسيد‭ ‬البلخي‭ ‬وخاصة‭ ‬أن‭ ‬قصيدته‭ ‬نصرتني‭ ‬وناصرتني‭ ‬بعد‭ ‬اللكمات‭ ‬التي‭ ‬وجهها‭ ‬إليّ‭ ‬الأستاذ‭ ‬غازي‭ ‬القصيبي‭ ‬رحمه‭ ‬الله‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يرى‭ ‬أن‭ ‬شفاء‭ ‬أم‭ ‬عيالي‭ ‬التي‭ ‬كنت‭ ‬في‭ ‬جدة‭ ‬لعرضها‭ ‬على‭ ‬الأطباء‭ ‬في‭ ‬بعدها‭ ‬عني،‭ ‬بينما‭ ‬البلخي‭ ‬يرى‭ ‬أن‭ ‬‮«‬الطواف‭ ‬والسعي‭ ‬مع‭ ‬أم‭ ‬الأحباب‭… ‬وشربة‭ ‬ماء‭ ‬زمزم‭ ‬لهو‭ ‬الشفاء‮»‬،‭ ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬الجزء‭ ‬من‭ ‬قصيدته‭ ‬جارى‭ ‬البلخي‭ ‬همزية‭ ‬القصيبي‭ ‬فرد‭ ‬اعتباري‭.‬

ويطيب‭ ‬لي‭ ‬أن‭ ‬أبلغ‭ ‬البلخي‭ ‬أنه‭ ‬كسر‭ ‬مقولة‭ ‬‮«‬إن‭ ‬أعذب‭ ‬الشعر‭ ‬أكذبه‮»‬‭ ‬فقد‭ ‬شربت‭ ‬من‭ ‬ماء‭ ‬زمزم‭ ‬عشرات‭ ‬الأكواب‭ ‬وعدت‭ ‬إلى‭ ‬المستشفى‭ ‬التخصصي‭ ‬في‭ ‬جدة‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬الجماعة‭ ‬قد‭ ‬نصبو‭ ‬لي‭ ‬كميناً‭ ‬طبياً‭ ‬بإطعامي‭ ‬لحم‭ ‬الكنجارو‭ ‬والنعام‭ (‬أين‭ ‬جماعة‭ ‬حماية‭ ‬البيئة؟‭)‬،‭ ‬وفتشوا‭ ‬في‭ ‬جهازي‭ ‬الهضمي‭ ‬عن‭ ‬أثر‭ ‬لعلة‭ ‬فخاب‭ ‬مسعاهم‭.. ‬ماء‭ ‬زمزم‭ ‬كان‭ ‬أقوى‭ ‬مفعولا‭ ‬من‭ ‬عقاقيرهم‭ ‬ومناظيرهم،‭ ‬ولعلهم‭ ‬فكروا‭ ‬وقتها‭ ‬إطعامي‭ ‬لحم‭ ‬الزراف‭ ‬أو‭ ‬كوارع‭ ‬الفيل‭.‬

والآن‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬قاله‭ ‬الحبيب‭ ‬الراحل‭ ‬القصيبي‭ ‬في‭ ‬أمر‭ ‬أنني‭ ‬سبب‭ ‬كل‭ ‬العلل‭ ‬التي‭ ‬تعاني‭ ‬منها‭ ‬أم‭ ‬الجعافر‭:‬

الآن‭ ‬قد‭ ‬وضح‭ ‬الخفاء‭ / ‬وجلا‭ ‬الصباح‭ ‬دُجى‭ ‬المساء‭ / ‬جاءت‭ ‬لنا‭ ‬الأخبار‭ ‬ينقلها‭ ‬الثقات‭ ‬الأنقياء‭/ ‬إن‭ ‬الأطباء‭ ‬الذين‭ ‬رأوا‭ ‬بزوجتك‭ ‬العناء‭/ ‬بعد‭ ‬التصاوير‭ ‬التي‭ ‬عُملت‭ ‬لها‭ ‬بالكهرباء‭/ ‬بعد‭ ‬التحاليل‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تُبق‭ ‬سراً‭ ‬في‭ ‬الدماء‭/ ‬قد‭ ‬شَخصوا‭ ‬أمراضها‭ ‬تشخيص‭ ‬نُطس‭ ‬أذكياء‭/ ‬حتى‭ ‬استبان‭ ‬لهم‭ ‬بلا‭ ‬ريب‭ ‬سبيل‭ ‬للدواء‭.‬

عندما‭ ‬وصلت‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬البيت‭ ‬قلت‭: ‬الحمد‭ ‬لله‭ ‬فقد‭ ‬اكتشف‭ ‬الأطباء‭ ‬ما‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬علة‭ ‬واكتشفوا‭ ‬أن‭ ‬الدواء‭ ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬في‭ ‬جدة‭ ‬فطلبوه‭ ‬من‭ ‬الأستاذ‭ ‬غازي‭ ‬في‭ ‬لندن‭ ‬فأراد‭ ‬أن‭ ‬يبشرني‭ ‬بكل‭ ‬ذلك‭ ‬شعراً،‭ ‬فإذا‭ ‬به‭ ‬يغمد‭ ‬بهمزيته‭ ‬تلك‭ ‬في‭ ‬قلبي‭ ‬سيفاً‭ ‬شديد‭ ‬المضاء‭:‬

قالوا‭ ‬بأنك‭ ‬جعفر‭ ‬العبسي‭ / ‬إنك‭ ‬شر‭ ‬داء‭/ ‬أنت‭ ‬الذي‭ ‬عرَّضتها‭ / ‬لجميع‭ ‬أوجاع‭ ‬النساء‭/ ‬

لم‭ ‬يبصروا‭ ‬مرضاً‭ ‬سواك‭/ ‬يُذيقها‭ ‬هذا‭ ‬الشقاء

وصفوا‭ ‬لها‭ ‬عنك‭ ‬البعاد

ويضمنون‭ ‬لها‭ ‬الشفاء

الردم‭ ‬عند‭ ‬السودانيين‭ ‬هو‭ ‬القصف‭ ‬بالكلمات‭ ‬

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى