محمد يوسف : سرقوا «قوس قزح»
كنّا ونحن أطفال نحب رؤية «قوس قزح» بألوانه المبهرة، نقفز فرحاً ونهلل إذا ظهر بعد سقوط المطر، رغم أنه نادر الظهور، ومع ذلك نحاول أن نرسمه ونتغنى به، وكثير منّا كانوا يسافرون عندما كبروا إلى البلاد المشهورة بأمطارها وارتسام ذلك القوس الجميل في طرف السماء، معبراً عن إبداع الخالق عز وجل، ويتفكرون في دقة امتداد القوس وألوانه المتساوية في سمكها وتلامسها، وكان الرسامون يتقاطرون على الأماكن التي تكثر فيها حالات الانعكاس الرباني ما بين السماء والسحاب والمطر، ويحاولون أن ينقلوا صورة تقريبية لإعجاز يجذب القلوب قبل الأعين، وكانت تروى حكايات حول تفاؤل أهل البلاد التي تتزين سماؤها بألوان قوس قزح، وتمنحهم رؤيته دافعاً قوياً وتزيدهم إيماناً.
كنّا أبرياء، وكان قوس قزح بريئاً، ولا يزال كذلك، وقد استخدمنا الألوان التي أحببنا، والقوس الذي نسعد برؤيته في الكثير من الأعمال، أسماء صناعات، وشعارات شركات، واختلاط في علامات تجارية مشهورة، وعن نفسي كنت شريكاً ذات يوم في عمل تجاري متخصص يحمل اسم «رينبو»، وهي التسمية باللغة الإنجليزية لقوس قزح، ووضعت الألوان المقوسة على واجهة محلنا، وعلى رأس أوراق مراسلاتنا، وكان ينظر إلينا كرمز للتقدم التقني في منتصف تسعينيات القرن الماضي، فقد أضاف الاسم شيئاً من الحداثة لارتباطه بالكمبيوتر، والحمد لله أنني انسحبت من تلك الشركة بعد عشر سنوات تقريباً، وقد حدث كل ذلك قبل أن يتخذ «الشواذ» قوس قزح شعاراً لهم، فأصبح الغالبية من الناس في العالم تتجنّب «ألوان الرينبو» حتى لا تطالهم الشبهات ويصنّفوا ضمن الفئة المنحرفة!
لقد سرقوا من البشرية شيئاً مستحباً، جعلوه رمزهم، ليخفوا بجماله بشاعة أفعالهم، ومطالباتهم التي لا تعرف الحدود الواجب الوقوف عندها، وتعدوا حدود غيرهم في ممارسات علنية، تساندهم قوى خفية تريد أن تفرضهم على الجميع، ليضيّعوا أخلاقياتهم كما أضاعوا جمال «قوس قزح»!