محمد يوسف : إنه ليوم عظيم
سنقف مع الواقفين، وندعو مع الداعين، مبتهلين، ملبّين، وكأننا هناك، عند جبل الرحمة، في البقعة الطاهرة، يوم الوقوف العظيم، يوم عرفة.
هذا اليوم المبارك، فإن حالت الظروف دون وجودنا في المكان بأجسادنا، سنكون هناك بأرواحنا التي تتوق للحج من جديد، وتشتاق لرؤية كل المشاعر مع العابدين الذاهبين إلى مكة، حاملين أمانيهم وأعذارهم، راجين القبول وهم الآتون من كل فج عميق، ليروا البيت العتيق، من وضع أساسه أبو الأنبياء، إبراهيم وابنه إسماعيل، عليهما السلام، مكة حيث بزغ النور وانتشر منها إلى جنبات الأرض، نور الحبيب المصطفى، عليه صلوات الله وسلامه، محمد إمام الأنبياء، وشفيع الضعفاء، الصادق الأمين، من كان وحيداً ذات يوم، وكان الأشرار يترصّدونه، ولم يغادر الدنيا البالية قبل أن يجعل من خلفه أمة، تواصل الدرب على خطاه، كما علّمهم، والأمانة بين أيديهم، ينقلونها من زمان إلى زمان، وحتى تحين الساعة، ويكون اللقاء عند العظيم المقتدر، الرحمن الرحيم، الرؤوف العزيز، الغفار الغفور، العفو المتسامح، رب العزّة.
على دربه صلى الله عليه وسلم يسير حجيج بيت الله، من تغبطهم، وندعو الله أن يغفر لهم ذنوبهم، ويجعل حجهم مبروراً، وسعيهم مشكوراً، على دربه يسيرون، ومن سار على درب محمد فقد فاز، فهنيئاً للذين وصلوا إلى المشاعر، وتجمعوا منذ فجر اليوم في عرفة، ونال من تهفو قلوبهم ما يخالج خواطرهم، وكانوا زواراً عابدين متحمّلين وراضين، تملأ وجوههم فرحة، ويزدادون إيماناً على إيمانهم، وهم يتنقلون من منى إلى عرفة إلى مزدلفة، ومن مكة إلى الجمرات، وألسنتهم تلهج بالدعاء.
عظمة هذا اليوم في الشعور الذي نعيشه، وقد تعلّقت أنظارنا وأفئدتنا بالمكان وبركته، عظمة بعظمة هذا الدين، فالجمع توحّده شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، يتساوى فقيرهم بغنيهم، وتختلط الألوان واللغات والأصول والأعراق، وتنصهر في بوتقة واحدة، تعلِّم أولئك المتكبرين كيف تكون المساواة بين البشر، وكيف يكونون إخوة متحابين.