صلاح الجودر: الرئيس الأمريكي.. لماذا أنا ذاهب إلى المملكة العربية السعودية؟!
لعبة شدّ الحبل من الرياضات القديمة التي ظهرت لأول مرة في أولمبياد باريس عام 1900، وهي مواجهة بين فريقين لكسب اللعبة، في كل فريق مجموعة من اللاعبين يمتلكون القوة والعزيمة والإصرار فيقومون بشد الحبل لإسقاط الخصم وهزيمته.
رياضة شد الحبل من الوهلة الأولى يعتقد البعض أنها بسيطة وسهلة، ولكنها في الحقيقة تحتاج إلى مهارة عالية، ولياقة جسدية واستعداد نفسي، وتخطيط سليم، ومن ثم شد الحبل في آنٍ واحد وبقوة أكبر من الخصم، ومتى ما أختلف أحد اللاعبين أو ضعف كان سببًا لهزيمة فريقه، لذا لابد من أن يحترم جميع اللاعبين بعضهم البعض، فجميعهم في جانب واحد ولتحقيق هدف واحد، وليس من حق أحد منهم الانسحاب خاصة في اللحظات الحاسمة.
والشيء بالشيء يُذكر، فإن المنطقة العربية هذه الأيام تشهد اجتماعًا يعتبر الأكبر والأهم والأبرز في ظل الظروف السياسية والاقتصادية التي يشهدها العالم، فبعد أيام يزور الرئيس الأمريكي جو بايدن المملكة العربية السعودية ليجتمع بقادة مجموعة من الدول، فهناك لقاء أمريكي سعودي، وآخر أمريكي خليجي «دول مجلس التعاون»، وكذلك أمريكي عربي «مصر والأردن والمغرب والعراق وإسرائيل»، فما الرسالة التي يحملها زيارة الرئيس الأمريكي؟!
لقد نشر الرئيس الأمريكي جو بايدن قبل أيام مقالاً في صحيفة واشنطن بوست بعنوان «لماذا أنا ذاهب إلى المملكة العربية السعودية؟!»، المقال فيه مجموعة من الإجابات التي كانت حائرة لفترة وجيزة، فالكثير من المراقبين والصحفيين راهن على عدم زيارة الرئيس الأمريكي للسعودية كسلفه من الرؤساء الذين يبدأون عملهم بزيارة المنطقة العربية وفي مقدمتهم الشقيقة الكبرى السعودية ومصر، لقد أشار الرئيس جو بايدن على أن زيارته تأتي في إطار تعزيز الشراكة الاستراتيجية مع السعودية، وهو تصريح يخالف تصريحاته السابقة التي اعتبرها البعض أكثر تسرعًا وانفعالاً، بل أشاد بدورها في الكثير من الملفات المهمة، فمن راهن على عدم ذاهبه إلى السعودية خسر قبل القمة، فقد أجاب الرئيس بقوله: «سأسافر إلى الشرق الأوسط لبدء فصل جديد واعد، وأن الرحلة تأتي في وقت حيوي بالنسبة للمنطقة، وستعمل على تعزيز المصالح الأمريكية المهمة»، وعلى أن زيارته للسعودية تأتي في إطار العلاقات القوية والتاريخية بين البلدين الممتدة لأكثر من ثمانين عامًا كشريك استراتيجي للولايات المتحدة. واستذكر الرئيس الأمريكي دور السعودية في الكثير من القضايا، ومنها «ساعدت المملكة العربية السعودية على استعادة الوحدة بين دول مجلس التعاون الخليجي الست، ودعمت الهدنة في اليمن بشكل كامل، وتعمل الآن مع الولايات المتحدة للمساعدة في استقرار أسواق النفط مع منتجي أوبك الآخرين»، وقد نسى أو تجاوز سهوًا دور السعودية في إعادة الامن والاستقرار للشعب اللبناني في الحرب الأهلية حين اجتماع مع فرقاء العمل السياسي في الطائف، وكذلك المصالحة بين الفصائل الفلسطينية في مكة المكرمة، ودحرت العدوان الذي تعرضت له الكويت في العام 1990، وتصدّت للتدخل الإيراني السافر في الشأن البحريني في أحداث العام 2011، وكافحت الإرهاب من خلال التحالف الإسلامي.
الرئيس الأمريكي بايدن في زيارته للمنطقة يوم الجمعة القادم يحمل معه الكثير من الملفات المهمة والحساسة، فالعالم اليوم على شفى حرب عالمية ثالثة، ولربما حربًا نووية، وكذلك هناك أزمة اقتصادية طاحنة ترى ملامحها في الكثير من الدول الأوروبية والأفريقية والأسيوية كما جرى في سيرلانكا حين تم إسقاط الرئيس السيرلانكي واقتحام قصر الرئاسة، وهناك تكتلات جديدة تنهي ما يعرف بالقطب الأوحد، كل ذلك وغيرها اختصرها الرئيس الأمريكي بايدن في مقاله بالقول إنه «يسعى إلى شرق أوسط أكثر أمنًا وتكاملاً، وتحقيق الأمن والسلام والاستقرار في المنطقة»، فهو من خلال التقارير التي بين يديه يرى بأن الشرق الأوسط يتعرض للتهديد المستمر، وهي منطقة في غاية الأهمية من عدة وجوه، فالمنطقة العربية هي رئة القارات الثالث «آسيا وأفريقيا وأوروبا»، وبها الممرات المائية الرئيسية للتجارة الدولية، ومصادر الطاقة مثل النفط والغاز التي تحتاجها الدول الغربية هذه الأيام بشكل أكبر للآثار التي تخلفها الحرب الروسية الأوكرانية.
القمة السعودية والتي من المرجح أن تكون في مدينة جدة «عروس البحر الأحمر» عنوانها كما ذكرها الرئيس الأمريكي بايدن «شراكة استراتيجية مع السعودية»، هي قمة تختلف عن سابقاتها من القمم والاجتماعات، فهي تختلف في التوقيت وبالمشاركين، فالعالم اليوم يشهد حالة من التنافر لا التعايش، والمشاركون كذلك يختلفون، حيث إن الدول المشاركة تتعرض لتهديدات سافرة وفي مقدمتها البرنامج النووي الإيراني الذي هو قاب قوسين أو أدنى من الجاهزية، مما يشكل خطرًا مباشرًا على دول الجوار التي تربطها بالولايات المتحدة علاقات تاريخية ومصالح مشتركة، وفي الجانب الآخر الجماعات الإرهابية المتكاثرة اليوم في العراق وسوريا ولبنان واليمن، وجميعها مدعومة وبشكل مباشر من الحرس الثوري الإيراني.
التساؤلات حول القمة كثيرة، هل هي من أجل تكتل عالمي جديد لمواجهة روسيا التي تبحث عن تأمين الحدود الغربية؟ أم تكتل لمواجهة الصين التي ابتلعت العالم بمشروعها الاقتصادي؟ أم تكتل لمواجهة التهديد الإيراني المتمثل في المفاعل النووي والجماعات الإرهابية؟ وفي اعتقادي الشخصي أنها ليست ذلك، ولكن لتتحمل الدول العربية مسئولية تعزيز أمنها واستقرارها من خلال العمل الجماعي المشترك، فالعالم والمنطقة العربية على أعتاب خريطة طريق جديدة في ضوء المتغيرات السياسية المتسارعة، لذا تكتسب هذه القمة أهمية كبرى، وهي تأكيد على أن الدول العربية لاعب رئيس في المعادلة السياسية القادمة، وأن شد الحبل يحتاج إلى مثل هؤلاء اللاعبين الأقوياء.
لن نسبق الأحداث، ولكن الجميع ينتظر خطاب الرئيس الأمريكي جو بايدن ومشروعه القادم، ولكن نتمنى وهو ينهي خطابه ويغادر المنصة أن لا يبحث عن أمه التي يبحث عنها دائمًا في نهاية خطاباته الرئاسية، فهذه هي السعودية وليس أمريكا!!