رأي في الحدث

أحمد الجارالله : تهديدات قادة طهران … طنين ذباب

توقفت طويلاً أمام تصريحات المسؤولين الإيرانيين ورد فعلهم على قمة الدول العشر الخليجية والعربية والأميركية في مدينة جدة السعودية، وعادت العبارات نفسها، والتهديدات ذاتها، كما هي حالهم طوال 43 عاماً من سيطرتهم على الحكم، فيما يكفي هؤلاء النظر إلى الواقع المعيشي والاقتصادي الذي يعانيه شعبهم كي يدركوا أن كل هذه الهمروجة الكلامية ليست أكثر من فقاقيع صابون وطنين ذباب، وتندرج ضمن الظاهرة الصوتية التي اعتدناها من إيران.
لا شك أن ثمة مخارج كثيرة لطهران من عزلتها الدولية والإقليمية، إذا كانت هناك قيادة قادرة على إدراك المتغيرات الدولية، وأن الحروب لم تجد نفعاً لا حالياً ولا في السابق، وأكبر مثال على ذلك الحرب التي افتعلها الخميني مع العراق، واستمرت ثماني سنوات خسر خلالها البلدان نحو أربعة ملايين نسمة بين قتيل وجريح، وخسائر مباشرة بلغت 600 مليار دولار، وفي النهاية اضطر الخميني إلى القبول بقرار وقف النار، وقال جملته الشهيرة: “ويلٌ لي لأنني مازلتُ على قيد الحياة حتى أتجرّع كأس السُمّ بموافقتي على اتفاقية وقف إطلاق النار”.
ثمة طريق آخر أمام طهران، كي لا تتجرع السم مرة أخرى، لا سيما بعد التدهور الكبير في الوضع الاقتصادي، والانهيار المريع لسعر صرف العملة المحلية، وارتفاع معدل الفقر إلى ما يزيد على 80 في المئة، وكذلك بعد الضعف الكبير في قدرات الحرس الثوري والـ”باسيج” جراء سلسلة الضربات الداخلية والخارجية التي وجهت إليهما، وزيادة النقمة الشعبية.
لذا نسأل: ما دام هذا النظام يزعم أنه إسلامي، أليس من الإسلام حسن الجوار والتعاون بين البشر، أوليست التنمية، ورفاهية الإنسان من مقاصد الشريعة السمحة، ألا يطرح قادة طهران هذا السؤال على أنفسهم؟
ربما العقلاء وحدهم الذين ينطلقون في سياستهم من هذه المبادئ الإسلامية الصحيحة، لكن قادة الظلامية الذين لا يزالون يعيشون في كهوف العصور الوسطى، يعتقدون أن التحدي وسفك الدماء الطريق إلى بسط سيطرتهم على الإقليم، ولهذا يتوهمون أن مجرد امتلاكهم أسلحة نووية كفيل بفرض مخططهم واستسلام العالم لهم.
هؤلاء مخطئون، إذ عليهم قبل ذلك النظر إلى كوريا الشمالية، التي أمعنت في العناد وتحدي العالم، واستمرت بإنتاج أسلحة الدمار الشامل، لكنها لم تحقق شيئاً، لأن الرد الدولي كان بسيطاً وهو الحصار والعزلة، ما زاد فقر وبؤس شعبها وعمت المجاعة، وهو يشبه بمعاناته الشعب الإيراني.
أما إذا كان هؤلاء يراهنون على الفتنة المذهبية، وإثارة النعرات الطائفية، فلا شك أنهم يحرثون في بحر، وليس عليهم إلا النظر إلى ما آلت إليه الأوضاع في العراق، حيث انتفض الشعب على زبانية طهران ومنعهم من مصادرة نتائج الانتخابات الأخيرة، وكيف بدأ لبنان ينقلب على “حزب الشيطان” المهيمن على كل مفاصل الدولة، بعدما تسبب بأكبر انهيار في تاريخ هذا البلد.
الخروج من نفق التحدي والتخلي عن الميليشيات والعصابات الإجرامية في اليمن ولبنان والعراق وسورية، إضافة إلى عدم التدخل في الشؤون الداخلية لدول بحر قزوين، ووقف السياسة العدوانية ضد السعودية والبحرين والكويت، إذ لا شك أن كل ذلك يمهد لإعادة بناء الثقة مع طهران، ويفسح المجال من أجل خروجها من شرنقة الموت البطيء التي حبست شعبها فيها.
فهل ستتجه إيران الى المنحى السلمي، وهو الأفضل لها، أم ستستمر في عدوانيتها؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى