عبدالمنعم ابراهيم: بايدن.. أرادها «عودة».. لكنها في الواقع «زيارة وداع» لأمريكا
الإعلام الغربي وتحديداً الأمريكي الذي طبل لزيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن للمنطقة سرعان ما سيكتشف أنها زيارة لن تغيّر في الأوضاع المتردية في العلاقات الأمريكية-العربية، والخليجية تحديداً، وخصوصا في عهد الرئيس الأمريكي بايدن الذي ينظر كما الرئيس أوباما إلى القادة والزعماء العرب بنظرة متعالية لا تخلو من العنصرية.
الرئيس بايدن لم يأت إلى السعودية ويلتقي فيها زعماء دول مجلس التعاون الخليجي مع مصر والأردن والعراق لأن نظرته تغيرت إلينا كعرب، وإصلاح ما أفسده في حملاته الانتخابية قبل أن يصبح رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية، حين قال عبارته المشهورة: «سوف أجعل السعودية دولة منبوذة»!!
كلا الرئيس الأمريكي بايدن جاء لزيارة المنطقة، وتحديداً السعودية لأسباب ومصالح أمريكية يمكن أن نوجزها في التالي: أولاً: هناك انتخابات نصفية للكونجرس الأمريكي قريباً، وكل استطلاعات الرأي العام الأمريكية قالت إن شعبية بايدن في تدهور مستمر، وبالتالي هذا يعني أن حظوظ المرشحين من الحزب الديمقراطي في الفوز بتلك الانتخابات ضعيفة جداً، مما يؤشر إلى احتمال فقدان حزب بايدن الأغلبية في الكونجرس، وفي مجلس الشيوخ الأمريكي أيضاً، بالإضافة إلى احتمال كبير لأن يخسر الحزب الديمقراطي أيضاً منصب الرئيس في أمريكا في الانتخابات الرئاسية القادمة في عام 2024، وخصوصاً إذا ترشح بايدن من جديد للمنصب، ولذلك تأتي زيارة بايدن للسعودية والمنطقة لإظهار نجاحات «للرئاسة الديمقراطية» في العلاقات الخارجية!
ثانياً: إن أمريكا تحتاج إلى السعودية ودول الخليج على أمل أن تزيد هذه الدول من حجم إنتاجها النفطي في السوق العالمي لتعويض النقص في النفط والغاز الروسيين اللذين خضعا لعقوبات اقتصادية أمريكية وغربية على خلفية الحرب في أوكرانيا، هذه العقوبات المتهورة التي أدت إلى زيادة نسبة التضخم وارتفاع الأسعار في أوروبا بنسبة 7,6 في المائة وفي أمريكا بنسبة 9 في المائة، وعلى الرغم من أن بايدن يعزو هذا الارتفاع إلى حرب روسيا في أوكرانيا، فإن الكثيرين، ومنهم قطاع كبير من المحللين الاقتصاديين في أمريكا، يرجعون زيادة نسبة التضخم إلى العقوبات الاقتصادية الأمريكية والغربية ضد روسيا، والتي ارتدت بشكل ساحق على المواطن الأمريكي والأوروبي والبريطاني، وبالتالي فإن الرئيس جو بايدن يأمل أن تكون زيارته للسعودية مخرجا للتنفيس عن الطنجرة الاقتصادية المهددة بالانفجار في السوق الداخلية الأمريكية.
ثالثاً: إن زيارة بايدن للسعودية هي محاولة متأخرة لإصلاح العطب السياسي الذي خلقته الإدارات الأمريكية المتعاقبة التي أدارت ظهرها للمصالح العربية والخليجية في السنوات الأخيرة، وخصوصاً الإدارات الأمريكية من الحزب الديمقراطي، والتي تآمرت على الأنظمة العربية ضمن مخطط أوباما المعروف في عام 2011 لإسقاط الأنظمة السياسية العربية، وكان آخرها اعتراف جون بولتون مستشار الأمن القومي السابق، الذي عمل في إدارات أمريكية مختلفة، كان آخرها في عهد الرئيس دونالد ترامب، إذ اعترف بأنه خطط للقيام بانقلابات عسكرية وسياسية في العديد من دول العالم!! ولذلك تأتي زيارة بايدن لإصلاح هذه الأخطاء الشنيعة، بل الكارثية مع الشعوب والأنظمة العربية، التي دفعت ثمناً غالياً من مؤامرات أمريكا منذ عام 2011 حتى الآن، وقد دفعت البحرين ومصر تحديداً ثمناً كبيراً عن تلك المؤامرات الأمريكية عام 2011، بالإضافة طبعاً إلى سوريا وليبيا والعراق وتونس واليمن، وحالياً السودان.
رابعاً: يدرك الرئيس جو بايدن أن بوصلة الشرق الأوسط بما فيها الدول العربية اتجهت من حرب أوكرانيا نحو روسيا والصين، ومن لم يتخذ موقفاً مؤيدا لروسيا، اتخذ موقفا محايدا من الأزمة الأوكرانية، ويشدد على الحل الدبلوماسي للخلاف الروسي-الأوكراني.. وعلى الرغم من أن بايدن أعلن من اليوم الأول لصعوده رئيسا للبيت الأبيض أنه سوف يغادر مشاكل الشرق الأوسط، وسوف يركز على مواجهة روسيا في أوروبا ومواجهة بكين في المحيطين الهندي والهادي، فإن زيارته الحالية للسعودية والشرق الأوسط تثبت الخطأ الاستراتيجي الذي ارتكبه، وهو يريد عودة أمريكا إلى العمل لتصحيح ذلك.. لكنها خطوة متأخرة جداً.
خامساً: حرب أوكرانيا أفرزت أصواتا كثيرة في مختلف دول العالم، من بينها الدول العربية، تطالب بإلغاء نظام «القطب الواحد» الذي يحكم العالم، والذي تسيطر فيه أمريكا والدول الغربية، سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، وهذه الأصوات العالمية راحت تشدد على ضرورة بناء نظام دولي جديد يقوم على «تعددية الأقطاب» بما يحفظ مصالح كل دول العالم وليس الغرب وأمريكا فقط.. وتأتي زيارة بايدن للسعودية والشرق الأوسط لاستبدال دعوة «التعددية القطبية» بالدول الشريكة والحليفة لأمريكا! لكنها أيضاً محاولة متأخرة لأن الأمانة العامة لمنظمة «بريكس» أعلنت منذ يومين أن السعودية ومصر وتركيا تتطلع إلى الانضمام إلى هذه المنظمة الدولية المنافسة للغرب والتي تضم حالياً في عضويتها (روسيا والصين والبرازيل والهند وجنوب إفريقيا).. ومن المتوقع أن تحذو بقية دول مجلس التعاون الخليجي حذو السعودية وتدخل منظمة (بريكس) أيضاً.
سادساً: ان زيارة جو بايدن للسعودية وإسرائيل هي محاولة لصنع «حلف ناتو عربي» يتكفل بالرد على التهديدات الأمنية الإيرانية للمنطقة، ويمهد الطريق لعقد صفقة مع إيران حول ملفها النووي، وتنسحب أمريكا عسكريا من المنطقة تاركة الدول العربية أمام اختيار واحد وهو التحالف العسكري مع إسرائيل ضد إيران! ولكن دولاً عربية كثيرة، من بينها مصر، غير متحمسة للدخول في مشروع «حلف الناتو العربي» حين تكون إسرائيل عضواً فيه.. ويمكن القول إنه اقتراح أمريكي لن يتحقق على أرض الواقع.
هذه هي بعض أسباب زيارة بايدن للسعودية والمنطقة.. ويمكن القول إنها زيارة وداع!