عبدالمنعم ابراهيم: «بايدن» اكتشف في قمة جدة رؤى قيادات جديدة وصريحة في المنطقة
اختار سمو الأمير محمد بن سلمان آل سعود ولي العهد السعودي أن تكون «تحيته» للرئيس الأمريكي جو بايدن أثناء استقباله في قمة جدة للأمن والتنمية الأخيرة أن تكون عبر استخدام «القبضة المكورة» وليس المصافحة، وهي التحية الدارجة في زمن جائحة كورونا بين المسؤولين السياسيين في مختلف دول العالم، ولكن يمكن أن نعتبرها ضمن ظروف انعقاد القمة «الأمريكية – الخليجية – العربية» رسالة سياسية أيضاً، وخصوصاً أنها «قمة» بطلب أمريكي بعد عامين من الفتور السياسي الذي شاب العلاقات بين السعودية وأمريكا، وازدادت توترا بعد رفض السعودية والإمارات زيادة إنتاجهما من النفط لتعويض نقص النفط الروسي في أوروبا.. وهنا يمكن أن نعتبر «القبضة المكورة» بمثابة رسالة سعودية وعربية إلى الولايات المتحدة الأمريكية بأننا نريد من واشنطن أن تتعامل معنا بندية سياسية وليس بوصفنا دولاً تابعة للفلك الأمريكي (تنفذ الأوامر الأمريكية وتمضي قدماً)!.. كلا «القبضة المكورة» من الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي هي رسالة واضحة منذ البداية أثناء استقبال الرئيس جو بايدن، وكانت بداية اعتماد برتوكول مختلف يفضي إلى علاقة أمريكية – سعودية جديدة تقوم على الاحترام المتبادل وتشارك المصالح، وقد فوجئ الرئيس بايدن والوفد الأمريكي المرافق بصراحة الأمير محمد بن سلمان في الاجتماع الرسمي المشترك حين قال: «إن الولايات المتحدة الأمريكية لديها قيم، ونحن في السعودية لدينا قيم أيضاً، ولا يمكننا أن ننفذ القيم الأمريكية في مجتمعنا السعودي». وأضاف: «ولا يمكن لأمريكا أن تنفذ قيمها بالقوة في العالم».. وقد تمخض الاجتماع بين الطرفين السعودي والأمريكي عن توقيع اتفاقيات مشتركة في مجالات تنموية واقتصادية وفضائية وطبية وتكنولوجية جديدة كانت سابقا تخضع للتجميد في ثلاجة البيت الأبيض.
والآن لننتقل إلى العلاقات الأمريكية – البحرينية في قمة جدة للأمن والتنمية، فقد تداولت الصحافة المحلية صورة فوتوغرافية يحاول فيها الرئيس الأمريكي جو بايدن إضفاء جو من المودة أثناء استقباله صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم، وحرص بايدن على أن يضع يده على كتف جلالته في دلالة رمزية على إظهار المودة والترحيب والامتنان لاستضافة مملكة البحرين الأسطول الخامس الأمريكي مثلما عبر عن ذلك في كلمته أثناء القمة، وحرص بايدن أيضا على مصافحة صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء في مدينة جدة على هامش انعقاد القمة مؤخرا، وكل الصور الفوتوغرافية التي نشرت أظهرت مؤشرات رغبة الرئيس بايدن في تعزيز العلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة الأمريكية ومملكة البحرين.. وهي رغبة بحرينية أيضا.
لكن السؤال المهم: هل هذه الرغبة الأمريكية في تعزيز العلاقات السياسية مع البحرين تأخذ بعين الاعتبار المرحلة القاسية والمريرة التي مرت بها العلاقات بين واشنطن والمنامة حين كان جو بايدن نائبا للرئيس الأمريكي باراك أوباما؟ وتحديداً في عام 2011 حين انخرطت أمريكا في مشروع إسقاط الأنظمة العربية، عبر ما أسمته «ثورات الربيع العربي»!! وكان من بينها مشروع إسقاط النظام الدستوري الملكي في البحرين!
هل واشنطن جادة في تجاوز تلك المرحلة، والاعتراف بأخطاء المرحلة الأوبامية بحق دول صديقة، من بينها البحرين؟.. نرجو ذلك حقاً، وخصوصاً أن مملكة البحرين لديها رغبة حقيقية في الحفاظ على العلاقات الثنائية بين البلدين، وقد تجلى ذلك في صور عديدة مؤخراً.. ولكن مملكة البحرين تريدها صداقة «قبضة مكورة» مثلما بدأها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في قمة جدة الأخيرة.. أي أن تقوم العلاقات البحرينية – الأمريكية على الاحترام المتبادل والصداقة الحقيقية، وتبادل المصالح المشتركة في الاقتصاد والتجارة وحفظ الأمن في المنطقة.. وأن يكفّ اليسار الطفولي المقيم في البيت الأبيض بواشنطن عن التدخلات في الشؤون الداخلية للبحرين والعبث بأمن واستقرار البلاد.. وإذا حدث ذلك فسوف تكسب واشنطن صداقة مملكة البحرين من جديد، ونرجو عدم تكرار سيناريو سنوات الجمر لعام 2011.
وما ينطبق على البحرين والسعودية، ينطبق أيضاً على علاقات واشنطن ببقية دول الخليج، وقد استوقفني خبر نشر في «أخبار الخليج» بالأمس يقول: «مثلت دعوة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان لزيارة الولايات المتحدة الأمريكية، والتباحث بمختلف الشؤون الاستراتيجية والاقتصادية، إشارة إلى أن إدارة بايدن لا تزال تنتظر من يعينها على فهم علاقتها بدول المنطقة، وأدركت الولايات المتحدة عمق ورطتها في عدم فهم مشاكل الشرق الأوسط وحساسياته عندما واجهت موقفا باردا من دول المنطقة الرئيسية في التجاوب مع دعوات سياسية ونفطية للوقوف إلى جانبها ضد روسيا بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا.. ويرى متابعون للشأن الخليجي أن الرئيس الأمريكي وقف خلال قمة جدة على حقيقة أن هناك تغييرات كثيرة وقعت في الخليج، وأن قياداته باتت مختلفة عما ألفه الأمريكيون في عقود ماضية، وأن استضافة أحد أهم القادة في المنطقة لواشنطن يمكن أن يساعد إدارة بايدن على فهم ما يجري، وتعديل سياستها في الخليج على ضوء ذلك».
ويقول المتابعون: «إن توجيه بايدن دعوة إلى الرئيس الإماراتي الشيخ محمد بن زايد لزيارة واشنطن ومواصلة الحوار هو تأكيد أن الرئيس الأمريكي قد فوجئ بالتغييرات التي حصلت لدى حلفائه، وفوجئ بوجود قيادات جديدة تحمل تفكيرا مغايرا عما توقعه، لافتين إلى أن الرئيس الأمريكي يحتاج إلى سماع صوت مختلف يدافع عن فكرة الشراكة الأمريكية – الخليجية بمنطق المصالح المتبادلة».
إذن الإدارة الأمريكية أمام مراجعة لا بد منها حول الأخطاء التي ارتكبتها الإدارات السابقة بحق حلفائها في منطقة الخليج العربي.. وأنه لا بد أن تضع في حساباتها عدم تكرار تلك الأخطاء الجسيمة.. وأن تحترم قيم وعادات وثقافة المجتمعات الإسلامية والعربية والخليجية، وأن تكف عن إقحام «القيم الأمريكية» قسراً أو بالقوة أو بالتدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية، وهذه التوجهات الجديدة سوف تكون تحت مجهر الاختبار من قبل دول وشعوب المنطقة.
وبالنسبة إلينا في البحرين نتمنى أن تكون ابتسامات ومصافحات جو بايدن لجلالة الملك المعظم وولي العهد في قمة جدة تعكس مشاعر حميمة أمريكية حقيقية، وليس فقط من أجل الصور الفوتوغرافية في المناسبات الرسمية.. حقا نتنمى ذلك.