عبدالرحمن المسفر: نحتاج ” شورى” لا “ديمقراطية سقيمة” (2 من 2)
هل يُعقل أن تظل ديمقراطيتنا 60 عاما كما هي، من دون مراجعة، أو تقييم، أو حتى البحث في تعديل مسارها وترشيدها؟
هل هذا بسبب التوجس من صراخ بعض العناصر السياسية من الانقلاب على الدولة ومؤسساتها، بدعوى الارتداد إلى الخلف والزحف على ما يسمونه “المكتسبات” الدستورية والشعبية؟
هناك دول عريقة ديمقراطيا عدّلت دساتيرها مرات عدة، وثمة أخرى نسفتها واستبدلتها بأخرى محاكية لظروف العصر ومتطلباته، فالدساتير صناعة بشرية اجتهادية وضعية، ينبغي تطويرها كلما دعت الحاجة إلى ذلك، من دون خوف أو تردد، طالما ان الدافع هو إصلاح الأمور، ومراعاة المصلحة العامة، والنهضة بالبلد.، ومواطنيه.
أزمة الديمقراطية في الكويت من حيث الشكل، والممارسة، والمحصلة الإجمالية، أسبابها متشابكة، فهي مزيج من تداخلات، سياسية واجتماعية ثقافية، ونزعات مصلحية وصراع أجندات ومواقع، والحديث في هذا السياق قد يطول ويتشعب.
لكن الخلاصة المستقاة من الواقع والنتائج تقدم لنا تبريرات كافية للتفكير جديا بتعديلات جوهرية على ديمقراطيتنا، أو استحداث كينونة تشريعية معاصرة، تعيد روح الانسجام والتوازن والبناء الى المجتمع ومؤسساته، من غير استلاب لأي مكتسبات تتصل بالحريات، والعدالة، والمساواة، وغير ذلك من الحقوق الإنسانية التي باتت مدونة ومعروفة في أدبيات الهيئات والمنظمات الأممية.
أحد إشكالات الديمقراطية، يكمن في أن “الشعب هو مصدر السلطات”، وهذا يتنافى مع بنية التكوين الثقافي العربي، كما أن ذلك يصطدم مع الشريعة ومقاصدها، فنظام الشورى في الإسلام- وفق أرجح الأقوال والتفسيرات الفقهية- يأخذ بمشورة أهل الحل والعقد، بمعنى مراعاة “الخبرة والتخصصية”، وليس إطلاق المشاركة لتشمل عامة الناس، مع أن هناك من وضع تأسيسًا لمصطلح “الشورى الاجتماعية”، بل وبالغ في إلزاميتها.
ثمة آراء توفيقية، ترى اقتصار المشورة في المسائل الكبرى والحساسة، شرعيا وسياسيا، على ذوي الدراية، واستفتاء الناس بعامة في شؤونهم الحياتية الاعتيادية والملحة، وهي أمور تتصل بمعيشتهم واحتياجاتهم من سكن، وتوظيف، وطبابة، وتعليم وما سوى ذلك، فضلا عن استطلاع آرائهم في القضايا المتعلقة بمصالحهم وتطلعاتهم.
الأمم الحية والفعالة، هي التي لا تخشى التغيير بشرط أن يكون إلى الأفضل، وهي كذلك التي تستمزج رؤى مفكريها ونخبها المعهود عنها العلم والإخلاص، وليس الارتهان إلى مجاميع وطبقات سياسية يغلب على أطروحاتها الإنشائية والروح العاطفية والانفعالية من دون وجود مشروع إصلاح وطني واضح المعالم أو رؤية شمولية مؤسسة على معايير فكرية، ومنطقية، وواقعية ومستندة إلى تجارب ثرية.