رأي في الحدث

أحمد الجارالله : مرزوق الغانم … “إذا ما طاعك الزمن طيعه”

مرَّت الحياة البرلمانية في البلاد بالكثير من المنعطفات، لا سيما في مراحلها الأولى، نتيجة طبيعة الممارسة السياسية التي لم تكن مألوفة قبل الأخذ بالديمقراطية منهجاً للدولة.
لقد تميزت تلك الفترة بالمواجهات الحادة، خصوصاً عند استقالة أول رئيس لمجلس الأمة المنتخب، المغفور له، عبدالعزيز الصقر، رحمه الله، بسبب التعنت الحكومي، ومحاولة الانقلاب على الدستور، والخلافات بين أعضاء بيت الحكم، وانعكاسها على السلطة التشريعية.
لم تكن تلك الاستقالة من أحد رجالات الكويت، الذين وضعوا الدستور، إلا جرس إنذار لمن يُحسن إدراك المخاوف من وأد الديمقراطية إذا استمر تغييب الدستور، وجعله مطية، لهذا كان الصقر واضحاً في ديباجته لكتاب الاستقالة لجهة التحذير من هذا الأمر.
لم تكن تلك الأزمة اليتيمة التي تشهدها رئاسة مجلس الأمة، فالصراع منذ تلك اللحظة أخذ طابعاً حاداً، ووصل في العام 1986 إلى تعليق الدستور، وتعطيل مجلس الأمة، وبعد تحرير الكويت عاد الصراع النيابي- الحكومي إلى ذروته، وهو ما دفع بالمغفور له، جاسم الخرافي، رحمه الله، عام 2011 إلى الابتعاد عن الحياة السياسية، وترك رئاسة مجلس الأمة، وقد خلفه فيها أحمد السعدون، الذي آثر، أيضاً، في العام 2012 الاستراحة بعزوفه عن الترشح في ذلك العام، بعد إقرار الصوت الواحد، لشعوره أن الزمن ليس زمنه، وكذلك تلبية لضغط مؤيديه بعزوفه عن الترشح.
اليوم يتكرر المشهد، لكن بأدوات مختلفة، فإعلان مرزوق الغانم عدم الترشح للانتخابات، أو غيابه عن المشهد البرلماني، الذي أسماه “مرحلياً” تعني حرفياً أن الرجل عمل بالمثل الشعبي: “إذا ما طاعَك الزّمَن طِيْعه”.
إذ طوال تسع سنوات من رئاسته كان الغانم صاحب الكلمة الفصل في كثير من الأمور، بل وصلت الحال إلى أنه يؤدي أحياناً دور وزير الخارجية، لا سيما في المواقف الإقليمية والدولية، مثل تمزيقه ما سمي “صفقة القرن” ومواقفه في المحافل الدولية، وكأن لديه ضوءاً أخضر من القيادة السياسية، آنذاك، وأن معه “الخيط والمخيط”.
لهذا، كانت هناك معارضة نيابية شرسة له بسبب تفرده بالقرار، ولقد برز ذلك بوضوح في السنوات الأربع الأخيرة التي كان متحالفاً فيها مع الشيخ صباح الخالد، إذ تسبب هذا التحالف في تشكل معارضة نيابية كبيرة، أدت إلى الانقسام العمودي الحاد الذي شهدته الكويت للمرة الأولى، ما أدى إلى تعطيل إقرار القوانين والمشاريع، فيما تمترست المعارضة خلف شعار “رحيل الرئيسين”، وشنت تيارات سياسية ونيابية حملات عدة غذتها الأخطاء الكبيرة التي وقع فيها رئيس مجلس الأمة، وكذلك رئيس مجلس الوزراء، ما أدى في النهاية إلى شل البلاد.
الزمن لا يستنسخ نفسه، فكما تدور الأرض تدور الأيام، خصوصاً بعد التغيرات الكبيرة التي شهدتها البلاد على خلفية الخطاب الأميري التاريخي، الذي ألقاه سمو ولي العهد، نائب الأمير، والسعي إلى النهوض بالبلاد، وعدم العودة إلى عهد الشراسة النيابية والتخاذل الحكومي الذي تميز به عهد مرزوق الغانم النيابي، التي كان فيها الشعب هو الضحية، ولنا في أزمة المتقاعدين عبرة في ما كانت عليه تلك المرحلة، ولعبة الابتزاز السياسي والنيابي التي مورست بأبشع الأساليب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى