أحمد الجارالله : سمو نائب الأمير… أستحلفكم بالله أن تقرأوا هذه الأسطر
سمو نائب الامير، ولي العهد
ربَّما تكونُ سيرة رئيس وزراء سنغافورة ومؤسس دولتها الحديثة لي كوان يو من المحطات التاريخية الجديرة بالتمعُّن، فهذا الرجل تسلَّم في عام 1959 دولة فقيرة، كلُّ شيء فيها يُنذر بالانهيار، ويعمُّها الفساد والجريمة، ويكاد الأمن يغيب عنها، إذ لا وجود لقوات الشرطة، والمدارس والجامعات لا تفي بالحاجة، والغليان العنصري والديني يُهدِّد بالانفجار في أي لحظة، وأمام هذا المشهد المرعب كاد الرجل يسقط في الامتحان.
يومذاك قال: “سألت نفسي: هل أكون جزءاً من الفاسدين وأبني ثروة لأولادي، أو أعمل على بناء دولة ووطن نفتخر به؟ ورأيت أن بناء الدولة والإنسان أهم بكثير من الثروة والجاه، لذلك خُضت المعركة القاسية، واستطعنا خلال ثلاثة عقود، أن نصبح مركزاً مالياً وتجارياً إقليمياً، وأكبر مجتمع متعلم وعامل في المنطقة، والأعلى دخلاً أيضاً”.
فهذا الرجل عمل بالمثل الصيني: “لا تعطني سمكة، لكن علمني كيف أصطادها”، ولهذا سعى إلى تعليم السنغافوريين، فبنى المدارس والجامعات كي يدرب شعبه على العمل، فكان بالتعليم يعمل على تأمين الصنارة، كما أطلق أعظم ورشة لمكافحة الفساد والجريمة في تاريخ بلاده، واستطاع خلال سنوات قليلة نقلها من بلد ممزق إلى دولة فاعلة في محيطها.
وعندما تقدم به العمر هيأ ابنه لتولي منصب رئيس الوزراء؛ لتستمرَّ الدولة بالنهوض والتقدم.
سمو نائب الأمير
خلال ستة عقود، ماذا قدمت الدولة للشعب الكويتي، غير جعله اتكالياً ينتظر السمكة التي تغدق بها عليه، فيما لم يبْن الاقتصاد المنتج، وبذلك قتلت روح المبادرة لدى المواطن، الذي وجد أن أسهل الطرق للعيش برفاهية كاذبة هي الوظيفة، التي لا تحتاج إلى تخصُّصات علمية، لذا كثر خريجو كليات الشريعة والقانون، والإدارة، وغيرها من التخصصات التي لا تحتاجها سوق العمل، وفيما ازدحمت الوزارات ومؤسسات القطاع العام بالموظفين، الذين هم في الحقيقة أفضل نموذج للبطالة المُقنَّعة، وبات الاعتماد على الموظف الوافد هو الأساس.
كلُّ هذا كان نتيجة طبيعية لهيمنة النواب على قرار الحكومات المُتعاقبة التي كانت تخاف من أي صيحة عليها، وترتعد فرائصُها من تلويح باستجواب رئيس مجلس الوزراء، فكانت ترضخ للمطالب النيابيّة، وتنفق من غير حساب على شراء الولاءات عبر تعزيز الإنفاق الاستهلاكي لدى المواطنين؛ لأنَّ كلاً يُغني على ليلاه، فيما ليلى الكويت تُعاني من ظلم ذوي القربى.
لهذا، مثلاً، تحوَّلت البلادُ أكثر دولة في الإقليم، وربما بالعالم، تُرسل مواطنيها للعلاج في الخارج، الذي هو سياحة سياسية، فيما لديها بنية صحية تحتية لو استثمرت بشكل صحيح لتحوَّلت جاذبة لعلاج الأجانب فيها، كما لم تهتم ببناء بنية صناعية تحتية حقيقية، أما في التعليم فقد ظلَّت على “طمام المرحوم”.
أضف إلى ذلك أنَّ تلك المجالس والحكومات عملت على إغلاق البلاد، بشكل لم تشهد مثيلاً له أي دولة في الإقليم، عبر قوانين تكاد تجعل الكويت أقرب إلى كوريا الشمالية، منها إلى اليابان، وهو ما أدى إلى طرد الاستثمارات من البلاد.
لهذه الأسباب، وصلت الدولة إلى تسجيل أكبر عجز في تاريخها، إذ رغم ارتفاع أسعار النفط، فمن المتوقع أن يصل متوسط عجز الموازنة العامة إلى نحو 12 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي لغاية عام 2025، وهو من بين أعلى المعدلات في المنطقة، كما أنَّ مرات عدة أوشكت على استنفاد سيولة صندوق الاحتياطي العام، وسجلت عجزاً يصل إلى نحو 25 مليار دينار.
سمو نائب الأمير
الكويت الدولة الوحيدة في المنطقة التي تشهد الكثير من الاعتصامات والتظاهرات والإضرابات عند نشوء أي مشكلة، فيما الإنتاج الوظيفي والإداري فيها لا يكاد يُذكر، بل يصلُ الأمرُ أحياناً إلى المسِّ برئيس الدولة، وذلك بسبب التجرُّؤ الذي أسَّس له النواب بعدما رأوا أنفسهم في لحظة من اللحظات أقوى من أي سلطة أخرى، في تفسير مُشوَّه للديمقراطية، فيما في العام 2012 قال رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون -خلال مواجهة أعمال العنف التي سادت بريطانيا على خلفية الاحتجاجات يومها-: “لن ندع أي ادعاءات زائفة بخصوص حقوق الإنسان أن تقف في طريق الحفاظ على الأمن القومي للبلاد”.
ربما يأتي أحدُهم اليوم ليجادل بأنَّ هذا القول ضد الديمقراطية وحقوق الإنسان، لكن في الحقيقة أنَّ التراخيَ، وعدم وضع الأمور في نصابها الصحيح، وضعف الحكومات في مواجهة مجلس الأمة -الذي حاد مرات كثيرة عن مهمته الأساسية- دفعت إلى تقويض هيبة القانون والدولة، وتسببت بما عاشته البلاد قبل 22 يونيو الماضي.
سمو نائب الأمير
يعرف الجميع في الكويت أنكم الرجل المعني بإعادتها إلى نهضتها، وأنكم تتابعون خطوات الحكومة الحالية، التي ربما هي موقتة، بكثير من الحرص على أن يكون الشعب والأمة بمستوى استخدام الصنارة، وعدم الاعتماد على أكل السمك الذي تُقدِّمه الحكومة؛ لأنه غير دائم، وفي هذا الشأن نعيد سموكم إلى تفسير سيدنا يوسف -عليه السلام- حلم الملك، وكيف استطاع بعد سنوات عجاف أن يُعيد مصر إلى الخير، وكأنما الكويت اليوم تنفض، بفضل جهدكم الكبير، عنها السنوات العجاف، وبسعيكم الحثيث هي مُقبلة على أن تعيش رخاء السنوات السِّمان.