فؤاد الهاشم : “خاربوزة” سليماني وتاج… سراقة!
أيام حكم الشاه في ايران كانت اماكن البغاء المرخصة قانونا موجودة في العديد من المحافظات، منها عبادان والعاصمة طهران، حيث يسمونه بالفارسية “دوب” في الاولى و”دروازة قزوين” في الثانية!
الاول كان يقع قريبا من سينما “ريكس” التي احترقت بروادها الـ 400 حين اقدم اربعة اشخاص متشددين دينيا، ومن اجل القاء التهمة على جهاز الامن السرى الشاهنشاهي المسمى”السافاك” بصب عشرات الغالونات من وقود الطائرات فوق سطحها، واشعلوا فيها النار في 19 اغسطس عام 1978، وقتها كانت السينما تغص بالرواد الذين جاؤوا لمشاهدة فيلم “عفريتة هانم”، والاستماع لفريد الاطرش وهو يغنى لسامية جمال بالفارسية، بعد دبلجة الفيلم الى لغة قورش القديمة!
كارثة “ريكس” هذه كانت هي الفتيل الاول الذي اشتعل ضد حكم الشاه، ومقدمة لثورة الخميني بعد ذلك بعام!
اما “دوب طهران”او “دروازة قزوين” فكانت اشبه بقرية صغيرة بمساحة كيلومترات عدة، تمتلئ بمحال تقدم عصير”الخاربوزة”، وهو البطيخ او الشمام بالفارسية، وفنادق بائسة لا نجوم لها يبيت فيها طلاب المتعة الحرام، وحتى ترى كل ما في هذه الدروازة فإنك تحتاج الى ثلاثة ايام بلياليها لتدخل كل بيوتها، ذات الرايات الحمر، وتشاهد كل نسوانها ذوات الصلاحية…المنتهية!
في الستينيات ظهرت نكتة في ايران عن اماكن الفحشاء هذه، تقول ان احد الاشخاص تشاجر مع جاره وسخر منه قائلا:”ان والدي شاهد والدك في الدوب يوم امس”! فرد عليه الجار:” وماذا كان والدك يفعل فى الدوب”؟
صباح اول من امس، وبينما كان ثمانية ملايين نيويوركي يسعون في مناكبها طلبا للرزق، وقف الرئيس الايراني على منبر الامم المتحدة ملقيا الخطاب المعتاد لكل رؤساء الدول، في هذا الوقت من السنة، الا انه خرج عن القاعدة ورفع بيده اليمنى صورة لقائد “فيلق القدس” المغدور اللواء قاسم سليماني المولود في 11مارس عام 1957 في قرية “قناة ملك” التابعة لمقاطعة راير بمحافظة كرمان، احدى محافظات الجمهورية الاسلامية الاحدى والثلاثين، وتقع فى جنوب شرق البلاد!
عمل في بداية حياته عامل بناء، ثم جاءت الثورة وانتسب للحرس الثوري عام 80 و…”صار اللي صار”!
في 3 يناير 2002 قتل سليماني، ومزقت جسده مراوح صاروخ اميركي، انطلق من طائرة مسيرة قرب مطار بغداد، بأمر مباشر من رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب!
والان، نود ان نسأل فخامة الرئيس الايرانى- بينما يده ما تزال ترفع صورة عامل البناء القديم، مهندس دمار العواصم العربية الاربعة، بيروت وبغداد ودمشق وصنعاء:اين كان سليماني لحظة اغتياله؟ هل كان يلاعب احفاده امام باب منزله في كرمان؟ هل كان يزرع الخاربوزة في حديقة بيته الخلفية بكل أمن وسلام؟
هل كان عائدا الى بيته مصطحبا حفيده المفضل من مدرسته؟ هل كان في مسجده مصليا وراكعا وخاشعا؟ هل كان جالسا على طاولة طعامه في صالون بيته محاطا بأولاده فاطمة ونرجس ومحمد رزا حين سقط عليه صاروخ الشيطان الاكبر فجعله وهم كعصف مأكول؟
ماذا كان سليمانى يفعل على ارض غير ارضه، في بغداد، قادما من بلد ليست بلده هي…لبنان؟
كم كان بعيدا عن “كرمانه” وحديقة “خاربوزه”، وموطن احفاده ومسقط رؤوس اولاده، ولماذا كل هذا العبث فى بلدان لا يعرف لغتها، ولا تعرف لغته يتلوى داخل عواصمها مثل تلوي ديدان في جوف امعاء عفنة؟
قاسم سليماني وجمال جعفر محمد علي آل ابراهيم الملقب بـ”ابو مهدي المهندس”، وعماد مغنية ليسوا شهداء، بل شهود على ديبلوماسية “الدوب” التي ابتدعها شرطي الخليج البائد شاه ايران، واورثها لخلفائه من الشاهات الذين استبدلوا تاج “اريا مهر” بعمائمهم السوداء، وممن ما زالوا يرون تاج كسرى بن هرمز وخفيه على رأس وقدمي سراقة بن مالك بن جشعم، ذلك الاعرابي الذي طمع بمكافأة ابي جهل بمئة من الابل لقتل النبي (صلى الله عليه وسلم) فكافأه سيد الخلق بمنحه تاج كسرى وسواره وقميصه وخفيه! ديبلوماسية “الدوب مثل الماء فلا هو يروب ولا الدوب… يتوب.