فؤاد مطر : الوعد الصادق في ذكرى اليوم الوطني
في ظل هذه العتمة السياسية والضميرية التي عممتها تركيبة حُكم لا يعتبر سيادة الوطن وطمأنينة الشعب من واجباته، ويقاسي اللبناني مختلف أنواع المعاناة، حلت مناسبة العيد الوطني للمملكة العربية السعودية في ذكراه الثانية والتسعين، تحرك في النفوس التي زادتها إحباطاً ممارسات أهل الحكم بدولتيْه، الدولة الرسمية والدولة الحزبية الرديفة نبعاً وروافد، بعض التفاؤل بأن ما هو حاصل في السلوك السياسي من أهل الحُكْم أولئك إلى زوال طال زمن العناد أم قصر دور الإسترهان وأن الصراط المستقيم هو في نهاية الرهانات ما من الخير السير عليه إلى أن يستعيد لبنان ما هو واجب الأخذ به، تجاه الدولة التي تسعى أكثرية دول العالم إلى أفضل العلاقة الإستراتيجية ومعها الدول العربية بإستثناء الإثنتيْن المعطلتيْن سوريا ولبنان وقعتا في القبضة الإيرانية التي تعطي من طرف اللسان شحناً ثورياً وطائفياً ومن اليد شحنات، سلاحاً وصواريخ ومسيَّرات، فيما حاجة الناس في هاتيْن الدولتيْن وفي النصف الخارج على الشرعية من الدولة اليمنية، إلى العيش الكريم والجوار الأكرم، وما تتطلبه عاديات الأيام من نجدات لا يتأخر أمر إرسالها بكل كرم النجدة وسرعة تأمين الوصول.طوال سنوات العهد اللبناني الذي قاربت شمسه المكسوفة عموماً على الغروب كانت المملكة من خلال الإحتفاليات الرمزية من جانب سفارتها لدى لبنان تبعث بإشارات مفادها أنها دائماً مع هذا الوطن في زمن الضراء وتزداد طمأنينة عليه عندما تطرق مباهج السراء أحواله، وكل ذلك من دون أي مطالب بإستثناء ما يصاغ بالتمنيات من نوع أن لا يكون لبنان ساحة إيذاء لها ولسائر دول العالم ما دامت هذه لا تريد له شراً. ومثل هذه التمنيات لمصلحة إستقراره وطمأنينة شعبه وثبات صيغته، بل إنها محطة في خارطة طريق يضفي عليها المزيد من التثبيت والتطوير وبحيث يبني مع الدول التي تريد لها الخير علاقة إستراتيجية. وهنا يجد المرء مثل حالي كواحد من الأكثرية اللبنانية وبكل التلوين المذهبي والطوائفي، حائراً في أمر سلوك القابعين في مواقع القرار إزاء هذا التناسي وأحياناً العبث بجوهر الوقفة الطيبة.وعندما كان لا بد من خارطة طريق أشبه بأفكار دستورية فإن المملكة وبدافع ما في النفس من الخشية على لبنان والكيان كانت صيغة «مؤتمر الطائف» الذي أهميته أنه وضع الوطن في دائرة السلامة ورمى على رموز سياسييه وحزبييه مسؤولية أن يكونوا عند حسْن صياغة الإنجاز والإلتزام به وإعتباره بمثابة ميثاق يبلور ميثاقاً سبق الأخذ به. ولقد أثبتت أحوال عقديْن عاشهما لبنان مصاناً بجوهر صيغة مؤتمر الطائف، كم أنها صيغة مثالية للوطن يحتاج إلى صمود والمواطن يحتاج إلى إستقرار. ومن هنا فإن الأطراف التي درجت على رمي تلك الصيغة بكل ما في مفردات التعبير من سوء الظن وإساءة التصرف هذا تؤكد على أنها ما دامت ليست من الأطياف التي شاركت في جلسات الحوار في الطائف في مثل هذه الأيام من العام 1988 كونها عارضت السعي ومَن يعارض لا يُدعى بطبيعة الحال، فإن دورها هو في رمي صيغة مؤتمر الطائف بالكلام المقرون بمطالب ليست لمصلحة إستقرار البلاد وطمأنينة المواطن إلى غده بعد يومه. وحتى بعض رموز هذه الأطياف لم يتأملوا بحسن النية في كلام قاله الملك فهد بن عبدالعزيز (رحمة الله عليه) للنواب اللبنانيين الذين أنهوا مشاوراتهم في الطائف وجاءوا إلى مدينة جدة لتحية الملك على سعيه ولسماع وزير الخارجية السعودية الأمير سعود الفيصل الذي بذل رحمه الله من السعي العربي والدولي كثير الجهد والتنقل من عاصمة إلى عواصم بغرض التوضيح ودعم السعي لإضفاء مسحة شاملة على إتفاق الطائف، يقرأ يوم الثلاثاء 24 أكتوبر/تشرين الأول الإعلان الرسمي عن إتفاق متوازن يراعي الصيغة اللبنانية ولا يترك حروفاً منقوصة النقاط. ولأن النفس السعودية ومنذ أيام المؤسس الملك عبدالعزيز رحمة الله عليه أمَّارة بالحرص فإن الملك فهد إرتأى إرفاق إرتياحه لما تم إنجازه بالتأكيد على أن نجاح مؤتمر الطائف كان سعودياً_ عربياً_دولياً سواء لجهة المشاركة الفعلية من جانب ملك المغرب الحسن الثاني ورئيس الجزائر الشاذلي بن جديد رحمهما الله ومباركة الجهود وتشجيع السعي لتذليل العقبات وترويض الشروط فلا تعود تعجيزية من جانب مرجعيات دولية كما إرتأى الملك فهد، وهو هنا يتكلم بلسان كل الشعب السعودي، القول بما يجمع بين النصح والتنبيه المغلفتيْن بمشاعر الحرص الشديد «علاقتي بلبنان قائمة منذ العام 1951 وكانت علاقة متصلة دائماً. نحن لا نكن للشعب اللبناني إلاَّ المحبة والصداقة. كما أنه ليس من المستحسن ولا أعتقد أنه من عادة المملكة العربية السعودية أن تأتي وتقول لقد عملت كذا وعملت كذا لأن هذا يصبح مِنَّة. ومِنَّة على مَن؟ على الشعب اللبناني وهو والشعب السعودي شعب واحد، حتى إذا كان الشعب اللبناني في خير وفي بحبوحة من العيش إنعكس ذلك على المملكة العربية السعودية كما أن العكس الصحيح…».كان الملك فهد يقول الذي قاله إرتجالاً، وفي ذلك منتهى الصدق والعفوية. ولم يحدث أن قيلت مثل هكذا مفردات من مرجعيات عربية أو دولية. وهذا يوجب من لبنان الدولة بعد الشعب الرد على صدِق المشاعر بمثلها تماماً كما الرد على التحية بمثلها أو بأحسن منها، لا أن تُرمى الدولة المتعاطفة مع لبنان والمحترِمة مع التقدير عقلاء الحكم فيه والقلقة على صيغته عندما تباغت مكاره ونوايا غير سليمة هذه الصيغة ويقول المباغتون وبالفم الملآن وبعد الضخ المتواصل للسلاح إن لبنان هو بعد سوريا آخر الحدود الأمبراطورية النووية على ضفاف المتوسط كما حدودها من خلال العراق على الكيان السعودي الذي يقترب ثباته من القرن الأول عمراً، وكما حدودها على البحر الأحمر من خلال حوثييها الذي فيما المملكة تحيي الذكرى الثانية والتسعين ليومها الوطني نرى خاطفي السيادة اليمنية مبتهجين بالذكرى الثامنة لسلب اليمن هذه السيادة ويهلل الطيف الإعلامي اللبناني حليف الجماعة الحوثية من خلال وسائله الإعلامية لهذا الفعل الإيراني جملة وتفصيلاً تخطيطاً وتسليحاً.عسى ولعل يستعاد الوعي وتستقر بذلك أحوال المحلقين في أجواء الحالمين بالأمبراطورية الآتية على الجناح النووي.كما عسى ولعل تستعاد القراءة وبتمعن من جانب أطياف لبنانية مع مقارنة في حال لبنان قبل صيغة مؤتمر الطائف وفي حال اللبنانيين السعيدة وعيشهم الكريم بعد سريان مفعول تلك الصيغة. وبذلك ربما يسلك التائهون العابثون الصراط المستقيم.مع الأمل بأن تحل الذكرى الثالثة والتسعين لليوم الوطني وقد إستعاد الزمن السعودي _ اللبناني ذلك الكبرياء المشترَك الذي كان عليه وكيف أن مؤسس المملكة عبدالعزيز صاحب العيد الوطني خاطب الرئيس بشارة الخوري أول رئيس لليوم الوطني اللبناني مخاطبة أخ حادب على أخ يقدِّر العلاقة ويحترم الأصول ويهمه أمر الوطن والشعب. ففي رسالة من الرئيس بشارة الخوري (يوليو/تموز 1952) يقول «إن الضرورة تقتضي أن تتعاون المملكة العربية السعودية ومصر ولبنان على تركيز الحالة في الشرق خصوصاً وأن العالم يرتقب أحداثاً خطيرة للغاية…». ويأتيه الرد من الملك عبدالعزيز متضمناً الآتي: «نُقدِّر لفخامته بُعد نظره وحنكته السياسية ونشترك معه تماماً في خطورة الموقف والمستقبل المليء بالمفاجآت…». كأنما الملك المؤسس والرئيس كانا يقرآن قبل سبعين سنة ما يعيشه العالم الآن عموماً ولبنان بشكل خاص. ولقد إفتقد لبنان في شخص سيد الحُكم أو بالأحرى في سُياده وفي سادته هذه الشمائل، فكان الذي بات عليه لبنان يحتاج إلى تثبيت صيغة مؤتمر الطائف وبذلك لا يعود الوطن المستضعف على الحال التي هو عليها وإنما يصبح مثل كوكبة دول عربية وكذلك دول كبرى تريد خيراً للمملكة وعلاقة إستراتيجية معها والكتابة في صفحة جديدة تعيد في زمن خادم الحرميْن الشريفيْن الملك سلمان بن عبدالعزيز ووليّ العهد الأمير محمد بن سلمان ما كانت عليه بدءاً بصاحب اليوم الوطني الملك عبدالعزيز وبالأسلاف مِن بعده الذين زادوا لبنان حدباً عند الحاجة ومداواة نوائب عند الإبتلاء. والله المعين.