عبدالمنعم ابراهيم :«المثلية» سلاح الغرب لهدم قيم المجتمعات الأخرى
هل يمكن للديمقراطية أن تتسمَ بالشموليَّةِ أو الدكتاتوريَّة؟ من الناحيةِ العلميَّةِ الأمران متناقضان، لكن ما يسمى حاليا (بالديمقراطية الليبرالية الغربية) تسيرُ باتجاه الشموليَّة والدكتاتوريَّة رغم ادعائها الكاذب بالديمقراطية، فالساسةُ في أمريكا والغرب يقدمون للعالمِ شكلًا واحدًا للديمقراطية، وهي نظامُهم السياسيُّ والفكري (الأيديولوجي) والاجتماعي فقط، ولا يكتفون بتقديمه اختياريًّا لشعوبِ وأنظمةِ العالم الآخر، ولكن يسعون إلى فرضه بالقوةِ العسكرية أيضا! ويمارسون الضغوطَ والابتزازَ السياسيَّ والاقتصاديَّ والعسكري ضد كل الأنظمةِ الأخرى في العالم لكي تستنسخَ (الديمقراطيةَ الغربية) على الشعوبِ الأخرى.. وفي ذلك مظهر من مظاهر (الشمولية) و(الدكتاتورية) التي شوَّه فيها الغربُ مفهومَ (الديمقراطية)!
نحن هنا لا نتحدث عن الجانب السياسي فقط في استبداد الغرب تجاه الشعوب الأخرى، ولكن نعني منظومةَ قيمٍ غربية متفسخةٍ أخلاقيًّا تسعى أمريكا والغرب عموما إلى نشرِها وإجبارِ الشعوب الأخرى على الأخذ بها، بل إجبار الدول الأخرى على فرضها قسرا على شعوبها من خلال قوانين وقرارات إجبارية بواسطة منظمات دولية! وهيئات متفرعة عن الأمم المتحدة!
ومن بين هذه السموم الأخلاقية التي يحاول الغربُ فرضها على العالم موضوعُ (المثلية الجنسية) وإجبار الدول والأنظمة الأخرى على نشرها في تلك المجتمعات، رغم إدراك الغرب بأن ذلك يتعارضُ مع شعار (الديمقراطية) الذي يرفعونه، ويتعارض مع القيم الدينية والروحية في المجتمعات الأخرى، بما فيها المجتمعات المسيحية في الدول الغربية نفسها!
والخطر الداهم أن نشر (المثلية الجنسية) لم يعد في الغرب محصورا في فرضه على الراشدين والشبان والشابات، ولكنهم بدأوا حملة واسعة سخّروا فيها وسائلَ الإعلام والصحافة والقنوات الفضائية الغربية وأفلام هوليوود السينمائية وأشرطة (اليوتيوب) والبرامج التلفزيونية والمسلسلات لكي يتمَّ فرضُ الشذوذ والمثلية الجنسية على (الأطفال) في البيوت وفي المدارس! ولا يكتفون بفرض ذلك في مجتمعاتهم الغربية ولكن فرضه على الأطفال في العالم كله!
فقط لنتوقف أمام هذا الخبر الذي نُشر بالأمس في «أخبار الخليج»: (قال عضو الكونجرس الأمريكي (تروي نيلز) إنه بات بإمكان الأطباء في ولاية كاليفورنيا الأمريكية إجراء جراحات (التحول الجنسي) للأطفال من ولايات أخرى من دون موافقة الوالدين! وأضاف (نيلز) في تغريدة على مواقع التواصل الاجتماعي (تويتر) يوم الجمعة الماضي: «مرحبا بكم في النظام العالمي الليبرالي»! ويوم الخميس الماضي وقع حاكم ولاية كاليفورنيا (جافين نيوسوم) قانونا من شأنه تسهيل الجراحات الانتقالية بين الجنسين من ولايات أمريكية أخرى. ويهدف مشروع القانون الذي قاده السيناتور الديمقراطي (سكوت ونير) إلى جعل كاليفورنيا (دولة ملاذ للأطفال من خارج الولاية)! لتجري ما يسمى جراحة تأكيد الجنس، والعلاج الهرموني، من دون معرفة أو موافقة والديهم! ويتضمن مشروع القانون عددا من الأحكام المصممة لعزل سكان الولايات الحمراء التي حظرت تحويل جنس الأطفال من خلال المحاكمة.. وكان (ونير) وراء العديد من جهود سن القوانين في الولاية لتقويض حقوق الوالدين! وفي شهر يناير الماضي طرح مشروع قانون يسمح بتلقيح القاصرين من دون إذن الوالدين)!
هذه الحملةُ التي يشنها الغربُ لا تحصر نفسها في أمريكا فقط.. كلا هم يسعون إلى تنفيذها في بريطانيا وكل الدول الأوروبية وبقية دول العالم أيضا، واستشعارا بالخطر الداهم دفع رئيس وزراء هنغاريا (فيكتور أوربان) إلى إلقاء خطاب حماسي يرفض فيه المساس بالقيم الأخلاقية والمسيحية واحترام مبدأ العائلة الذي ينص عليه الدستور الهنغاري، ويرفض بشدة فرض ثقافة المثلية الجنسية على الأطفال في بلاده.. ويمكن ملاحظة أن مثل هذه المواقف الرافضة لتكريس وتمكين المثلية الجنسية تجدونها تتردد في خطابات المسؤولين السياسيين في دول عديدة في العالم مؤخرا بعد أن شعروا بالخطر الذي يداهم مجتمعاتهم وثقافاتهم وقيمهم الروحية والدينية سواء كانت إسلامية أو مسيحية أو يهودية، أو حتى كانت قيما دينية وضعية لا تؤمن بالقيم الغربية المتفسخة أخلاقيا.
ففي الصين مثلا تراجع السلطات السياسية والتربوية مدى تغلغل القيم الغربية بين الشباب والشابات والأطفال وبدأوا يركزون في المدارس على ضرورة تحديد تربية صحية وعلمية لغرس (روح الرجولة) في الشباب والأطفال الذكور، وغرس (روح الأنوثة) الطبيعية في الشابات والأطفال من الإناث، حتى لا تتسرب ثقافة الغرب المثلية الجنسية إلى المجتمع الصيني.
وفي روسيا أشار الرئيس الروسي (فلاديمير بوتين) في خطابه مؤخرا بمناسبة انضمام أربع مناطق جديدة إلى الاتحاد الروسي (إلى أن الغرب يسعى إلى فرض قيم تتعارض مع قيم المجتمعات الأخرى.. قيم غربية تتعارض مع الأسرة والعائلة والمعتقدات الدينية.. وهذا نرفضه نحن في الاتحاد الروسي وترفضه شعوب كثيرة في العالم)!
وهذا يقودنا إلى استنتاج مهم، ألا وهو أن سعي روسيا والصين ودول أخرى مثل الهند وجنوب إفريقيا والبرازيل ودول في آسيا الوسطى وأمريكا اللاتينية ودول عربية وشرق أوسطية إلى رفض نظام القطب الواحد – الأمريكي الغربي، واستبداله بنظام متعدد الأقطاب يحكم العالم، ليس لأسباب سياسية واقتصادية فقط، ولكن لأنهم اكتشفوا أن (الغرب) صار يتحرك بشكل محموم لهدم القيم الأخلاقية والدينية السوية في المجتمعات الأخرى.. وفي أحد نماذجها وليست الوحيدة طبعا سعي الغرب لتمكين (المثلية الجنسية) والانحطاط الأخلاقي في العالم.