جاسم مرزوق بودي : مجانين أميركا ومكانة السعودية
توّج الرئيس الأميركي جو بايدن الحملة الدائرة في أميركا ضدّ المملكة العربية السعودية بإعلانه أنه ينتظر الكونغرس لمناقشة اتخاذ عقوبات ضد الرياض على خلفية قرار مجموعة دول «أوبك+» خفض إنتاج النفط بمعدل مليوني برميل يومياً وما فُسّر تالياً بأنه دعم غير مباشر لموسكو في حربها ضدّ أوكرانيا وبالتالي حلف الناتو.
بكل هدوء، وليس على طريقة بعض السياسيين «المجانين» الأميركيين الذين ينفخون في النار عشيّة الانتخابات النصفيّة ويتحدّثون كأنهم أعضاء ميليشيات في العالم الثالث يمكن قول التالي:
أولاً، إن قرار «أوبك+» هو قرار دولها كلّها وليس قرار المملكة العربية السعودية، فهذه الدول رأت أن تراجع أسعار النفط يتمّ بوتيرة مُتسارعة قد تُهدّد اقتصادياتها ومشاريع التنمية لديها ولذلك قرّرت لجم هذا التراجع عبر قرار تخفيض الإنتاج.
والتركيز على المملكة فقط من قبل بعض السياسيّين في الحزبين الجمهوري والديموقراطي يتعلّق بحسابات داخليّة خاصة ضد بايدن نفسه الذي زار المملكة قبل أشهر.
ثانياً، إن قرار خفض الإنتاج ستستفيد منه الدول المُصدّرة للنفط وليس المملكة وحدها، وفي القلب من هذه المنظومة الكويت ودول الخليج، ولذلك فالتضامن الكامل مطلوب مع المملكة لا بصفتها الشقيقة الكبرى أو استناداً إلى الروابط التاريخيّة فحسب، وإنما لأنها مُستهدفة بشكل خاص في حملة مُفتعلة إذا سمح لها بالنجاح فستؤدّي إلى خلخلة الكثير من الموازين في المنطقة.
ثالثاً، إن سوق النفط له قواعده وقوانينه وهذا ليس سراً نووياً، فعندما اقتضت الحاجة قبل سنوات رفع الإنتاج غضبت روسيا واعتبرت الأمر مُوجّها ضدّها وانطلقت مواقف سياسيي موسكو السلبية تجاه المملكة ودول أوبك.
يومها لم يشحذ جمهوريو وديموقراطيو العم سام ألسنتهم ولم يعتبروا تجاوب المملكة مع قواعد السوق «مؤامرة» كما يحصل اليوم.
والغريب في الموضوع أن دولاً مثل ألمانيا والنمور الآسيوية وغيرها وهي الأشدّ حاجة إلى النفط لم تتعامل مع قرار «أوبك+» الأخير كما تعاملت الولايات المتحدة بل سلكت طريق التفهّم ثم الحوار لتحصيل ما يمكن تحصيله.
رابعاً، مع كل الاحترام والتقدير للأصدقاء وعدم تجاهل ما قاموا ويقومون به لتثبيت التعاون والاستقرار في المنطقة، إلا أن آخر من يحقّ له الحديث عن المصالح في عالم النفط وغيره هم الأميركيون.
بايدن نفسه مُستعدّ لفعل أيّ شيء قبل الانتخابات النصفية ليقول لناخبيه إنه خفّض أسعار الطاقة وها هو يستثني فنزويلا من العقوبات ويساعدها على رفع إنتاجها النفطي فإذا بـ«شيطان» الحديقة الخلفيّة يصبح صديقاً مُتعاوناً.
ومن يحاور «الشياطين» تحقيقاً لمصالحه فعليه أن يتفهّم أن للآخرين مصالحهم أيضاً وهذه المصالح غايتها الفعلية دولهم وشعوبهم أكثر من الحصول على لقب «اللاعب الدولي» في صراع الأقطاب.
خامساً، يُهدّد بايدن ضمناً وسياسيون أميركيون علناً بعقوبات تشمل وقف صفقات السلاح أو تطبيق قانون «نوبك» الذي يجيز استخدام عقوبات ضدّ الدول المنتجة إذا ثبت تقصّد التلاعب بالأسعار.
عن قانون «نوبك» فمجرّد الخوض فيه سيصيب أسواق النفط بحمّى التذبذب ولن يستطيع أحد السيطرة عليها.
أمّا عقوبات التسليح فهذه قِمّة «المواقف الارتجالية».
سوق السلاح في العالم صار أكثر اتساعاً وفاعليّة عما كان عليه من قبل ودول المنطقة لا مُشكلة لديها في تنويع خياراتها، وشركات السلاح الأميركية الضخمة ومراكز الضغط التابعة لها (لوبيات) قد تساير قليلاً في ظل تحويل موضوع النفط إلى «عاصفة قومية» إنما ستكون لها كلمة أساسية لاحقاً تجاه القرار ومُتّخذيه فمصالحها أهم من لحظة تناقض راهنة… إضافة إلى ذلك كلّه سيخرج «صوت رشيد» يقول إن الأميركي الذي يريد تجميع أكبر قدر من الحلفاء في إدارته للملفات العالمية الكبرى لماذا يخلق حالة نفور ضدّ الأصدقاء تحديداً ويدفعهم إلى المقلب الآخر؟.
سادساً، بدل أن يُركّز بايدن ومجانين التطرّف ضد السعودية في واشنطن على قرار خفض الإنتاج فليفتح كل القيود على الشركات الأميركية لاستخراج المزيد من النفط الصخري ويزيد هو الإنتاج ويغرق السوق ولديه كل الإمكانيات، اللهم إلّا إذا كان يريد الاستمرار في الالتزام بمعايير سياسات الإنتاج داخلياً ويستفيد من «كيس غيره» خارجياً.
في الختام، موضوع حيوي عالمي مثل النفط لا تتم مقاربته بانتخابات داخلية نصفية في أميركا، والانتفاضة التي تمّت على قرار خفض الإنتاج من باب المصلحة الأميركية لم تأخذ في الاعتبار مصالح دول المنطقة التي تعارضت كثيراً ومراراً مع سياسات العم سام من الصراع العربي الإسرائيلي إلى الموضوع الإيراني مروراً بالفوضى الخلّاقة التي حوّلتنا حقول تجارب وكادت تفتك بمجتمعاتنا.
وإلى مجانين التطرّف في السياسة الأميركية، المملكة العربية السعودية عمقنا وقوّتها قوّة لنا، وسياساتها حصيفة في مواضيع النفط وغيره، ونحن شركاء معها من أجل مُستقبل أفضل لأجيالنا، وغداً تنتهي الانتخابات ويعود المنطق إلى أصحابه وتكتشفون أن علاقات عمرها عشرات السنين لا يمحوها تكتيك انتخابي وإن أضفى على صورتها خُدوشاً جارحة.
…ركدوا، الركادة زينه.
*الرأي اليوم