عبدالمنعم ابراهيم : الغرب يعاني أزمات اقتصادية.. لكنه ينفق بسخاء على أوكرانيا!
لا توجدُ دولةٌ غربيَّةٌ انخرطت في تنفيذِ حزم العقوبات الاقتصادية ضد روسيا على خلفية الحرب في أوكرانيا لا تعاني حاليًا من المشاكلِ الاقتصاديَّةِ والمعاناةِ المعيشيةِ لمواطنيها.. فقط انظروا بعين الصقر إلى المشاكل الداخلية في الولايات المتحدة الأمريكية وفي بريطانيا وفي فرنسا وفي ألمانيا وفي إيطاليا وفي إسبانيا، حتى اليابان تعاني هذه الأيام من ترنُّح عملتها الوطنية (الين) الياباني.. أزمةٌ اقتصاديَّةٌ ومعيشية طاحنة تعيشُها الدولُ الغربية، وشعوبها تدفعُ الثمنَ جراء انخراط حكوماتها خلف قراراتٍ متهورة أقدمت عليها إدارة الرئيس الأمريكي (جو بايدن) لمعاقبة روسيا على خلفية الحرب في أوكرانيا، وفي النهاية دفعت جميعُ الدول الغربية الثمنَ للانقياد الأعمى خلف (واشنطن) في تنفيذ تلك العقوبات الاقتصادية التي ارتدت عليها!
في بريطانيا الحليف الأكبر لواشنطن في حرب أوكرانيا والعالم تعاني حكومةُ حزب المحافظين من تدهور شعبيتها بسبب سياساتها المالية الفاشلة، وارتفاع نسبة التضخم وارتفاع الأسعار وارتفاع أسعار فاتورة الكهرباء ثلاثة أضعاف.. وذكرت صحيفة (الفايننشال تايمز) البريطانية (أن حكومة رئيسة الوزراء (ليز تراس) لا تزال في خطرٍ على الرغم من إقالتها وزير الخزانة (كواسي كوارتنج)، الذي كان (كبشَ فداء) لبقاء حكومتها في السلطة وكتب (سيباستيان باين) مقالاً ذكر فيه أن نوابَ حزب المحافظين لا يزالون غير مقتنعين بأنها فعلت ما يكفي، وأن بعض أعضاء البرلمان يخططون للإطاحة بها، وأنهم إذا نجحوا في ذلك، فإن هذا يعني أن من سيشغل منصب رئيس الوزراء، سيكون خامس رئيس وزراء من حزب المحافظين في غضون 6 سنوات، والثاني من دون تفويض مباشر من الناخبين)!! لقد كانت لبنان والعراق أضحوكة في سرعة تغيير الحكومات أو إسقاطها أو تعثر تأجيلها.. لكن حاليًا بريطانيا صارت هي المنافس لهما في تدهور حكوماتها المتسارع في القارة الأوروبية!! ويشير الكاتب إلى أن عددًا متزايدًا من نواب حزب المحافظين يريدون الإطاحة بتراس، رغم أنه لم يمض على تعيينها 38 يومًا فقط.
أما في أمريكا فقد أصبح المواطنون الأمريكيون يسخرون من حكومة بايدن لكرمها الباذخ في دعم حكومة (زيلينسكي) في أوكرانيا، بينما هم يعيشون الفقر والبطالة وارتفاع أسعار المواد الغذائية وأسعار الوقود، وتجلت هذه السخرية في قيام مدينة (فلوريدا) التي دمرها الإعصار مؤخرًا برفع (العلم الأوكراني) على حطام المدينة بدلاً من العلم الأمريكي، في صورة ساخرة من قيام الكونجرس الأمريكي بتقديم مساعدات مالية إضافية إلى أوكرانيا!! بينما الشعب الأمريكي الذي دمر الإعصار بيوتهم أحق بهذه الأموال التي تقدر بنحو 17,6 مليار دولار أمريكي قدمتها أمريكا لأوكرانيا منذ اندلاع الحرب هناك!!
وفي فرنسا يعاني المواطنون هم أيضًا من تبعات العقوبات الاقتصادية التي فرضها الغرب على روسيا وارتدت عليهم بقسوة، وتشهد باريس ومدن فرنسية أخرى مظاهرات احتجاجية على غلاء الأسعار وارتفاع أسعار الطاقة، وذكرت وكالة (فرانس برس) أن عمال مصفاة فرنسية ومستودع للوقود تابعة لمجموعة (توتال إنيرجيز) تعهدوا بمواصلة الإضراب للمطالبة بزيادة رواتبهم وأجورهم، ما يفاقم المخاوف حيال إمدادات البترول.. وخرجت 4 من مصافي فرنسا السبع ومستودع واحد عن الخدمة، بعد ما رفض العمال العرض المالي الذي قدمته الشركة الرائدة في قطاع المحروقات.. كما دعا معارضو (ماكرون) اليساريون إلى مسيرات للاحتجاج على التضخم، ودعا (الاتحاد العام للعمال) إلى إضراب يوم الثلاثاء (غدًا) من شأنه أن يعطل حركة النقل العام على مستوى البلاد.. ويطالب (الاتحاد) بزيادة أجور موظفي (توتال إنيرجيز) بنسبة 10 بالمائة بأثر رجعي لعام 2022 بأكمله.. وقالوا إن الشركة الفرنسية قادرة على تحمل كلفة ذلك بكل سهولة، لأن صافي الأرباح التي حققتها بلغ 5,7 مليارات دولار في الفترة من أبريل حتى يونيو الماضي، بينما ارتفعت أسعار الطاقة على وقع الحرب في أوكرانيا، ودفعها مليارات اليورو كأرباح للمساهمين.
ألمانيا هي الأخرى تعاني من مشاكل اقتصادية جمة من وراء أزمة الطاقة المتفاقمة، وبالكاد تمكنت الحكومة من تخزين الغاز لمواجهة أزمة الوقود للشتاء القادم.. لكنها بلا شك ستظل في حالة خطر بسبب مقاطعتها الغاز (الروسي) الزهيد الثمن إرضاءً لواشنطن التي باعت لأوروبا غازا أمريكيا بسعر مضاعف 4 مرات!!
ومشكلة ألمانيا أكبر من غيرها من بقية الدول الأوروبية، لأن مصانعها وشركاتها الكبرى كانت تعتمد على الغاز الروسي في تشغيل ماكيناتها في المصانع، وفي حالة عدم توافر الغاز والطاقة فإن العديد من المصانع الألمانية، بما في ذلك صناعة السيارات الفاخرة والشاحنات والجرارات وصناعة السلاح، سوف تتوقف عن العمل.. وهذا يعني تسريح الآلاف من الموظفين والعمال والألمان من أعمالهم.. ويعني زيادة حجم البطالة، ما يعرض أمن المجتمع الأماني للخطر.. ومؤخرًا نصح الرئيس الروسي (بوتين) في مؤتمر صحفي بأن تحسن ألمانيا الاختيار بين مواصلة التزاماتها في (حلف الناتو) الأطلسي بما يفرضه من خسائر مالية واقتصادية للاقتصاد الألماني، وبين أن تختار ألمانيا مصلحتها الوطنية والقومية ومصلحة الشعب الألماني.. ويمكنها أن تحصل على غاز روسي زهيد الثمن.
كل هذا يحدث في الدول الأوروبية وفي بريطانيا لأنهم انجرفوا خلف عقوبات اقتصادية أمريكية ضد روسيا، وأنفقوا أموالَ شعوبهم على حكومة زيلينسكي في أوكرانيا التي أصبحت لا تشبع البتة!!