عبدالمنعم ابراهيم :أحكام الإعدام.. وأزمة الإعفاء من تأشيرة (الشنغن) للكويت
من حق الاتحادِ الأوروبيِّ أن يحددَ لمن يمنحُ تأشيرةَ (الشنغن) لدخولِ دولِ الاتحاد في أوروبا من قِبل أي زائر من الدولِ العالميَّةِ الأخرى.. ومن حقه أيضا أن يحددَ مدتها أيضا، وفي الآونة الأخيرة سعت دولُ مجلس لتعاون الخليجي ومن بينها الكويت والبحرين وسلطنة عُمان والسعودية وغيرها لدى المفوضية الأوروبيَّة إلى أن تكونَ هذه الدولُ (معفاة) من تأشيرة (الشنغن) الأوروبية، وأن يدخلَ مواطنوها دولَ الاتحاد من دون تأشيرة (الشنغن) مثلما يحدثُ حاليًا مع مواطني دولة الإمارات العربية المتحدة الذين يحظون بهذا الامتيازِ من منطلق المعاملة بالمثل لمواطني الاتحاد الأوروبي الذين يدخلون الإمارات من دون الحاجةِ إلى (فيزا) دخول.
نؤكد أن هذا حق الاتحاد الأوروبي إزاء من يعفي من الدول من إلزامية تأشيرة (الشنغن) فهو حقٌ سياديٌّ للاتحادِ الأوروبي، لكن في الآونة الأخيرةِ بدر من الطرفِ الأوروبي بما يمكن تسميته بالتدخل في الشؤون القضائية لدولةِ الكويت، حين نفذت الكويت يوم الأربعاء 16 نوفمبر 2022 أحكامًا بالإعدام في حق 7 أشخاص بينهم سيدتان أدينوا بارتكاب جرائم قتل، وقالت النيابة العامة في بيان إن الإعدامات نفذت شنقًا في السجنِ المركزي، وتمَّ تنفيذُ أحكام الإعدام بحق 4 كويتيين بينهم سيدة كويتية، وإثيوبية، وسوري وباكستاني.. وهذه هي أول عملية إعدام في الكويت منذ 2017، عندما نفذت حينها السلطات آنذاك أحكاما في 7 أشخاص، بينهم أحد أعضاء الأسرة الحاكمة، وامرأة تسببت في مقتل عشرات بعدما أشعلت حريقًا في خيمةِ زفاف زوجها بدافع الغيرة.
لكن الاتحادَ الأوروبيَّ لوَّحَ بورقةِ الضغوط السياسية ضد الكويت لوقف عمليات الإعدامات الأخيرة، حين صرَّح نائبُ رئيس المفوضية الأوروبية (مارجريتيس شيناس) تناول فيه موضوع تنفيذ أحكام الإعدام في الكويت، معتبرا (أنه سوف يكون لذلك تداعيات على المناقشات المتعلقة بالمقترح لوضع الكويت على قائمة الدول المعفاة من تأشيرة (الشنغن).. ويمكن تصنيف هذا الرأي الأوروبي على أنه ضغط سياسي غير محمود على دولة صديقة ذات سيادة مثل الكويت، ما حدا بوزير الخارجية الكويتي الشيخ سالم عبدالله الجابر الصباح إلى تأكيده الرافض رفضا قاطعا (التدخل في الشؤون الداخلية لدولة الكويت من أي مكان، وبالأخص من أصدقائنا)، وقال في مؤتمر صحفي يوم الخميس الماضي: «وأرفض رفضا أكثر من قاطع التدخل في قرارات وعمل جهازنا القضائي من أي كان»، وأضاف: «إن الكويت دولة ديمقراطية ونفتخر بنظامنا وبفصل السلطات في البلاد، ولا يحق لنا كحكومة أو فرد التدخل في أعمال السلطة القضائية، فما بالك من أطراف خارجية»، وتابع: «إن قرارات جهازنا القضائي مستقلة من دون أي تدخل تام من داخل الكويت أو خارجها».
بلا شك إن استخدام ورقة الإعفاء من تأشيرة الشنغن لمواطني دولة الكويت من قبل الاتحاد الأوروبي للضغط على الكويت يمكن أن يصنف ضمن دائرة الابتزاز السياسي الذي ترفضه كل الدول في العالم، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي نفسه، وخصوصا إن موضوع إصدار الأحكام بالإعدام في القضايا الجنائية والجرائم بحق من تصدر بحقهم أحكام قضائية متفاوتة بين قوانين دول العالم، فهناك دولٌ تقر حكم الإعدام، ودولٌ أخرى لا تقر ذلك، فهي مسألة خاصة بكل دولة على حدة، وقوانينها الداخلية، فمثلا حُكم على امرأة من تكساس في الولايات المتحدة الأمريكية تبلغ من العمر 29 عاما بالإعدام في أكتوبر 2020 على خلفية جريمة قتل امرأة حامل من أجل استخراج جنينها وسرقته.. وصدر الحكم بإدانة (تايلور باركر) يوم الأربعاء الماضي بعد محاكمة بدأت في سبتمبر واستمرت أربعة أسابيع، وأوضحت الشرطة أن الجانية واظبطت قبل أسابيع من جريمتها على رصد حوامل في المتاجر المتخصصة أو مستشفيات الولادة.
وعمليات الإعدامات في الأشخاص الصادرة بحقهم أحكام بالإعدام كثيرة في الولايات المتحدة الأمريكية التي يوجد فيها قانون يقر ذلك، فقد أعدمت ولايتا أريزونا وتكساس الأمريكيتان يوم الأربعاء الماضي رجلين مدانين بارتكاب جريمتي قتل، ليرتفع عدد أحكام الإعدام المنفذة هذا العام في الولايات المتحدة إلى 15 حكما، وأشار وزير العدل في أريزونا في بيان إلى أن (موراي هوبر) وهو أمريكي أسود يبلغ 76 عاما، تلقى حقنة قاتلة في سجن فلورنس على خلفية اقتحام منزل بهدف سرقته في ليلة رأس السنة عام 1980 مع شخصين آخرين، وقيدوا قاطنيه الثلاثة قبل إطلاق النار عليهم وإصابتهم في رؤوسهم، ومن ناحية أخرى نفذت ولاية تكساس الأمريكية حكم الإعدام الصادر في حق (ستيفن باربي) 55 عاما بعد إدانته بقتل حبيبته السابقة التي كانت حاملا آنذاك وابنها الذي كان يبلغ 7 سنوات.
إذن عمليات الإعدام تتفاوت بين دولة وأخرى.. فهي موجودة مثلا في الكويت، وموجودة أيضا في بعض الولايات الأمريكية.. لذا ليس من الحكمة أن يستخدم الاتحاد الأوروبي مسألة التلويح بورقة الإعفاء من تأشيرة الشنغن لدولة الكويت فقط لأنها تنفذ حكم الإعدام بحسب قوانينها القضائية الداخلية، وحجبها عن الكويت، لأن في ذلك ابتزازا سياسيا لا يليق بعلاقات الصداقة بين مختلف الدول في العالم، وإلا سيكون على الاتحاد الأوروبي أن يمارس ذلك أيضا ضد مواطني الولايات المتحدة الأمريكية وتحجب عنهم التأشيرات أو لا تعفيهم من (الشنغن) لأن بعض الولايات هناك تقر حكم الإعدام وتنفذه أيضا بحق المجرمين الذين صدرت بحقهم أحكام قضائية أمريكية.. وإذا كان الاتحاد الأوروبي يريد معاقبة الكويت فعليه معاقبة أمريكا أيضا لأنها تطبق أحكام الإعدام على أراضيها.. لذا نتمنى من الاتحاد الأوروبي ألا يتم الربط بين أحكام الإعدام في الدول والإعفاء من تأشيرة (الشنغن) لأن قوانين كل دولة تختلف عن الأخرى.