أحمد الجارالله : ياولاة الأمر… الكويت ليست جنة عدن
يا ولاة الأمر، اعذرونا على هذه المُكاشفة، فليس لنا غيركم، بعد الله سبحانه وتعالى، نشتكي إليه، وما نتحدث عنه ليس أحجية، إنما هو حقيقة مُرَّة تسقينا العلقم مع كلِّ فجر جديد، حين نرى التي كانت منارة الخليج قبل بضعة عقود، تكاد أمراض شيخوخة الأفكار تأكل جسدها، ويخنقها الانغلاق المُتعمَّد، جرّاء قوانين عفى عليها الزمن، حتى في عصور الظلامية الأوروبية لم تكن الشعوب تستسيغها، بل ثارت عليها، فكيف في بلد مثل الكويت، سلخ عن جلده بقوة التيارات المُختلفة، وعقدة الشكِّ بالآخر؟
كل دول “مجلس التعاون” الخليجي ومنذ ثلاثة عقود عقدت العزم على الانفتاح، وتطوير اقتصاداتها، والاستعانة بالآخر من أجل المزيد من التطور، فهذه دولة الإمارات العربية المتحدة تحوَّلت اليوم واجهة سياحية واستثمارية دولية، وفتحت أبوابها للجميع، حتى بات أحد مطاراتها، مطار دبي، يستقبل مئة مليون مسافر سنوياً، نحو 40 في المئة منهم يبيتون ليلة واحدة في فنادق المدينة، ما يُدخل على الدولة ما يزيد عن 80 مليار درهم.
أيضاً المملكة العربية السعودية التي وضعت هدفاً باستقبال مئة مليون سائح في غضون أقل من خمس سنوات، نفضت عنها كلَّ أسمال التخلف، والحكم على النوايا، بل إن مهرجاناتها الدائمة، باتت تُدر المليارات على الدولة، فيما قاعدتها الصناعية والخدماتية، ومصادر الدخل المتنوعة، جعلتها ضمن أكبر 20 اقتصاداً عالمياً، وهي ماضية بخطط الانفتاح على العالم.
أما سلطنة عمان التي تميَّزت طوال العقود الماضية بأنها وجهة سياحية أعلنت، أخيراً، تطوير مجموعة مرافق ومدن، وفتحت أبوابها لجميع الجنسيات، بينما البحرين عملت طوال السنوات الأخيرة على تطوير حركتها السياحية، وبنوك الأوفشور ومرافق الخدمات الدولية، واستطاعت تعزيز أصولها السيادية.
اليوم يكفي النَّظر إلى قطر، وهذه التظاهرة الكروية الدولية التي تعيشها طوال شهر، والعائد من السياحة الرياضية؛ كي نعلم مدى التطور الذي حققته في غضون سنوات قليلة، بل إنها تحوَّلت أحد مصادر الدخل لدول الخليج، ولا شكَّ أنَّ عجلة التنمية دارت ولن تتوقف حتى بعد انتهاء المونديال.
لكن ماذا عن الكويت، المُبتلاة بكثرة الجدل وقلة العمل، وبقوانين وقرارات ما أنزل الله بها من سلطان، ففيها ممنوع السياحة، ولا تصدر تأشيرة الزيارة إلا بمواصفات شبه مُستحيلة، إذ ممنوع زيارة فتاة أو شاب كي لا يفتنا الناس، بينما فنادقنا تكادُ تكونُ خاويةً على عروشها، وأسواقنا تُعاني الكساد، ولدينا ألف حُجَّة للانغلاق، وحين نتحدث عن ضرورة الانفتاح تثور ثائرة جماعات لاتزال تعيش في كهوف تورا بورا، وسراديب “حزب الله” و”داعش” و”القاعدة”؟!
لا يجرؤ الكويتي على الحديث عن التطور والتقدم في دول الخليج؛ لأنه سيُواجَهُ بمن يلجأ إلى المقارنة الظالمة مع الأدنى وليس الأفضل، بل سيعمل المتطرفون على نعت الشعوب الأخرى بالانحلال الأخلاقي، والابتعاد عن الدين، وكأن الذين لدينا وحدهم المؤمنون بالله واليوم الآخر، أما هذا الشعب الذي تربى على الإسلام الصحيح، والمتسامح، البعيد كل البعد عن النَّعرات الطائفية والمذهبية، في نظرهم لم يعرف الإسلام يوماً!
يا ولاة الأمر، حين يكونُ هناك 50 طباخاً يُصبح الطعام غير صالح، ومسموماً، ففي الدول التي تحدثنا عنها كان هناك قرارٌ واحدٌ، من رجل واحد، هو ولي الأمر، يُعاونه النواب والوزراء، فالديمقراطية التي نتغنى بها لسنا وحدنا في هذا العالم من يعيشها، لكننا الشعب الوحيد الذي يتحكمُ فيه من فرضوا بالترهيب الفكري سطوتَهم عليه، وطوَّعوا الدولة لأهدافهم.
ما تحتاجُهُ الكويت إرادة على التنفيذ؛ لكي تعود إلى ما كانت عليه، سابقاً، واحة فكر وانفتاح، ومصدر إلهام ثقافي، وفني، وسياحة، وأمانة في إدارة التعليم؛ لكي تكون لدينا مُخرجاتٌ توازي حركة التقدم العالمية، وأن نخرج من أنفاق الشك، والخوف من الآخر، وننفتح على العالم، ولا نتوهم أنَّ الدَّاخل إلى الكويت سيكون في جنة عدن، بينما كلُّ دول الخليج، اليوم، جنات بكلِّ معنى الكلمة، فيما نحن نعيش في الجحيم.