محمد الساعد : المواطن السعودي.. أكبر قوة ناعمة !
لقد غيّرت مباراة كرة قدم وجه السعودية للأبد، مباراة لم تكلف الوزارة المعنية بالرياضة سوى بضعة ملايين من الريالات، مع تسهيلات جيدة للجماهير الذين تدفقوا على الدوحة من مدن وقرى المملكة، لكنها استطاعت أن تسوّق للسعوديين بحملة غير مدفوعة وعفوية تصل قيمتها التقديرية إلى ما يزيد على 30 مليار دولار (هكذا يقول المتخصصون).
خلال سنوات قليلة فقط اجتاح السعوديون بثقافتهم، وأسلوب حياتهم، وسلوكهم، وطرفهم وذائقتهم، وحتى بالنكات التي يتداولها العالم من بعدهم، ما حدث ليس جهود الوزارات المعنية بتحسين السمعة، ولا مؤسسات يفترض أن تعمل ليل نهار لبناء قوة ناعمة سعودية حول العالم، بل سلوك عفوي اجتاح بصدقه قلوب الآخرين وأثّر تأثيراً غير مكلف بالمرة.
الجماهير السعودية التي غمرت شوارع الدوحة بأثرها الحضاري وقيمتها العالية وتنوع مبادراتها الفردية أدهشت الإعلام الغربي ووقف أمامها حائراً، وكان السؤال الأول الذي يطرح: هل هؤلاء هم السعوديون الذين نهاجمهم ليل نهار؟!
المواطن العربي الذي تصوّر السعوديين طوال عقود مجرد بدو يمتلكون أموالاً ونفطاً ويعيشون تحت الخيام ليس لديهم مبادرات ولا تأثير هو كذلك فوجئ وكأنه فاق من غيبوبة الصورة السيئة المتراكمة في وجدانه عن المملكة شعباً وحضارة وإنجازات.
التأثير لم يتوقف في ملاعب الدوحة، بل انتقلت عدواه لجماهير كرة القدم حول العالم وأثّرت فيهم مباشرة، وهذا أمر نادر في التأثير الاتصالي السريع، كان تعبيراً عن السلوكيات السعودية الإيجابية التي نعرفها عن أنفسنا وكثيراً ما حاولنا نقلها للعالم.
شاب سعودي داخل مترو الدوحة يغني بالأرجنتيني أمام جماهير منتخبهم بعد مرارة الهزيمة، في مبادرة لطيفة وأيضاً مفاجئة كونه متقناً للغة ليست الإنجليزية ولا الفرنسية بل لغتهم، شاب آخر ومعه طفل يتحدثان الإنجليزية بطلاقة مع قناة تلفزيونية أجنبية في محيط الاستاد الرياضي مطلقين في العالم اجمع كلمتي (أين ميسي) التي ذهبت مثلاً، كلمة لطيفة أخرى أخذتها ملايين الجماهير هي (وينه كسرنا عينه) «براندات» سعودية بالجملة نثرت في الدوحة ببساطتها وسهولة انتقالها وتلقفتها الجماهير في العالم.
لم يكتفِ السعوديون بذلك بل حملوا على عاتقهم نجاح الحضور الجماهيري في المونديال، وأصبحت أهازيجهم الرياضية هي من تقود المدرجات وتثريها وتطلق الفرح فيها، هذا الطوفان الشعبي السعودي يجتاح بلطف وجدان العالم، يدهش، يجذب، يحبب، لقد أكد أنه أهم قوة ناعمة يمكن أن يستثمر فيها.
ولتوضيح ذلك الأثر الهائل، تشير بعض المؤسسات المعنية برصد التفاعل على منصات التواصل الاجتماعي، إلى تضاعف استخدام «إيموجي» علَم السعودية ملايين المرات عالميّاً أثناء بطولة كأس العالم الحالية 2022، وخصوصاً إثر الفوز على الأرجنتين، أضف إليه آلاف البرامج الرياضية والحوارية، وملايين العناوين التي انتشرت في منصات الإعلام حول العالم.
كان معرض الرياض بين الأمس واليوم، الذي تحول فيما بعد إلى السعودية بين الأمس واليوم، نموذجاً فاعلاً في نشر قوة المملكة الناعمة في عواصم غربية وعربية، الأمير سلمان – الملك سلمان حالياً-؛ رغم أعباء عمله كأمير للرياض حينها؛ استشعر تلك المسؤولية الضخمة وأخذ المبادرة وأطلقها فكان صداها واضحاً في باريس ومدريد ولندن ونيويورك والقاهرة، لكن تلك الفعالية النموذجية توقفت، ولم تبنِ عليها المؤسسات المعنية الأخرى وتكمل المسيرة.
الصورة النمطية -غير المرضية- عن السعوديين شعبياً والسعودية كدولة، خاصة في الإعلام الغربي وعند الشعوب الغربية، فضلاً عن الشعوب العربية، تلقت صدمة قوية بعد افتتاح المونديال والأثر الذي تركته الجماهير السعودية إيجابياً، وخسارة ذلك التأثير إذا لم يتم استثماره وتفعيله، هو مثل خسارة تأثير معرض الرياض، ثم نضطر للعودة للمربع الأول، ونبدأ في محاولة التحسين مرة أخرى.