رأي في الحدث

عبدالله بشارة : أنغام عذبة.. في مسارات الكويت والمملكة


سأتحدّث عن الخيوط المتداخلة والرابطة للعلاقات الكويتية – السعودية، مستوحياً ذلك الأمر من أنغام الإشادة التي عبّر عنها سمو ولي عهد الكويت الشيخ مشعل أحمد الجابر الصباح خلال لقاءات القمة، التي جمعت زعامات خليجية وعربية وصينية في الفترة بين العاشر والثاني عشر من ديسمبر الماضي، متذكراً توجيهات أمير الكويت الجليل الشيخ عبدالله السالم، التي تأتي من تعليقات يقدمها، عندما أحمل إليه بعض الأوراق، والتي يرى فيها الشيخ صباح الأحمد، وزير الخارجية آنذاك، ضرورة أن أقدمها إلى الأمير مباشرة.

كان المرحوم الشيخ عبدالله السالم يقرأ تلك الأوراق، ويعيد الملف إليّ من دون تدوين ملاحظات، مكتفياً بكلمات بسيطة تعبّر عن قلقه الأمني لما قد يمس الكويت مستقبلاً.

كان الشيخ عبدالله السالم مهموماً بالأمن، شاعراً بالفراغ الأمني، وفوق ذلك، لا تريحه بعض البيانات والتصريحات التي تصدر عن وزارة الخارجية، حاملة الإشادة بإنجازات أنظمة عسكرية غير مضمونة المواقف حول الكويت، وكان يصر على ضرورة تعميق العلاقات مع المملكة العربية السعودية، ويرى فيها الحريص الصادق على أمن الكويت، ناصحاً بضرورة تأكيد الترابط مع الرياض، والحد من مجاملة العسكريين، وبكل أمانة كنت أحمل هذا التوجه إلى المرحوم الشيخ صباح الأحمد وزير الخارجية، وهو منطلق في مساعيه لتعميق التواصل مع كل الدول ضماناً للكويت لجماعية الدعم العربي، مع حماية الخصوصية التي تتميز بها العلاقات مع المملكة.

قرأت خطاب سمو ولي العهد في اجتماع القمة الخليجية، وشعرت بأنه يستوحي ما كان ينصح به الشيخ عبدالله السالم، بالإضافة إلى أنغام الارتياح والسعادة لما تنعم به المملكة من مكانة رفيعة في المجتمع الدولي، ودورها الرائد وإسهاماتها في تأمين الاستقرار والسلام للأسرة العالمية.

فليس من السهل جمع ثلاث قمم في آن واحد، واحدة للخليجيين، وأخرى للخليجيين والصين، والثالثة للمجموعة العربية والصين، وسبقت تلك القمة قمة أميركية ــ عربية في مدينة جدة في الصيف الماضي، وبلا جدال إن انتقال الرئيس الأميركي ورئيس الصين من بلديهما إلى المملكة للقاء الخليجيين والعرب يعبّر عن إنجاز لا يوفره سوى بلد يتمتع بحسن السمعة وطيب السلوك وإيجابية المشاركة في العلاقات بين مختلف الدول، بالإضافة إلى أنه بلد يحظى بالاحترام لعطائه، واعتداله وإيجابيته.

هناك مسافة في التجارب وعدد السنين، بين توجيهات حاكم الكويت في بداية الستينيات، وبين خطابات سمو ولي العهد، التي تفيض بالمودة والحميمية تجاه المملكة.

كانت سنوات تسيدت أجواء العالم العربي شعارات حزبية تصفّق لأنظمة عسكرية دمّرت شرعية بلدانها، واحتكرت مواصفات الوطنية القومية وعبأت الشارع العربي عبر إذاعاتها لمعادات الدول الغربية والاستعمار، ومن لا يعجبها من العرب، وكان الفضاء الكويتي مفتوحاً مثل الآخرين، خصوصاً مع إشارات تتموج لتحقيق الأحلام، التي كان يدعو إليها أهل الفكر والسياسة من أهل الشام في النصف الأول من القرن الماضي.

كان الشيخ صباح الأحمد، مهندس الدبلوماسية الكويتية من الاستقلال إلى الغزو، يتحرّك بقوة لتحقيق التضامن العربي، متنقلاً بين العواصم، كنت أرافقه في الستينيات بحثاً عن وصفة مناسبة تساعده للوصول إلى ما يريده من التضامن العربي، كان شعوره بأن التضامن العربي أفضل الممكن لسلامة الكويت، ولم يكن من السهل تجديد العلاقات مع دول كبرى للحماية، وتحول المرحوم الشيخ صباح إلى فدائي مؤمن بالترابط، الذي يؤلف بين العرب في وحدة المصالح ووحدة المواقف، مدركاً استحالة الاعتماد على تحالفات مع المؤثرين عالمياً.

وقد كان أكبر أهدافه جمع الملك فيصل والرئيس جمال عبدالناصر في الكويت لإنهاء عقدة اليمن، ولم يتحقق ذلك رغم إصرار الشيخ صباح ومصارحته للرئيس عبدالناصر، وكان رد الرئيس جمال إقفال هذا الباب، وقد تم هذا اللقاء الأخير في أغسطس 1966 في الاسكندرية، حضر اللقاء السفير حمد الرجيب، وأنا بصفتي مدير مكتب الوزير، وأعددت محضر اللقاء الحزين، الذي أخذت الأحداث أبطاله إلى هزيمة 1967.

فالعلاقات بين المملكة والكويت دوّنها التاريخ منذ وصول الإمام أو السلطان عبدالعزيز إلى الكويت في بداية التسعينيات من القرن التاسع عشر.

ومن يومها وضع الملك عبدالعزيز بن سعود الكويت في صدر اهتماماته الأمنية، متابعاً علاقات الكويت مع الجيران، ومنزعجاً من التهديدات التي تتعرّض لها.

في 1938 استدعى الملك عبدالعزيز قنصل بريطانيا في جدة، اسمه «ريدر بولارد Sir Reader Bullard»، الذي فوجئ بهذا الاستدعاء، وذهب إلى الرياض ليطلب منه الملك عبدالعزيز إبعاد الحشد العراقي من حدود الكويت، وأنه مستعد لمشاركة الكويت في الدفاع عن أمنها، كما أرسل ولي العهد الأمير سعود إلى الكويت، بعد الانفراج، ليطمئن على سلامتها.

توفي الملك عبدالعزيز، وتحمّل مسؤولية المشاركة في حماية الكويت الملك الجديد سعود بن عبدالعزيز، وعندما أذاع عبدالكريم قاسم ادعاءاته ضد الكويت، لم يتردد الملك سعود في إرسال ألف شخص من جيشه للمشاركة في حماية الكويت، وعندما تأخرت الجامعة العربية في قبول عضوية الكويت، رفض مبررات التأخير، التي أرادت مصر من الكويت القيام بها، وهي سحب القوات البريطانية، التي جاءت بناء على طلب الشيخ عبدالله السالم.

جاء دعم الملك سعود للكويت في وقت حرج جداً في تاريخها ومستقبلها، أراحت الأمير والشعب، وخلقت ثنائية سعودية – كويتية، نجحت في إدخال الكويت إلى الجامعة العربية.

ولم يكن الملك سعود سهلاً، فقد أرسل إلى الرئيس عبدالناصر برقية يقول فيها يجب أن يكون معلوماً للجميع أن الكويت والمملكة بلد واحد، كما أرسل وزير خارجيته السيد إبراهيم السويل إلى القاهرة لدفع عضوية الكويت إلى الجامعة، كما تولى مندوب المملكة في الجامعة الاعتراض على طلبات تأجيل انضمام الكويت للجامعة، كما تصدى المندوب السعودي لآليات التسويف التي يطرحها مندوب العراق.

القصد من هذا الاستنجاد بتاريخ العلاقات بين البلدين تأكيد الرغبة الصادقة للبلدين للمزيد من التلاقي المشترك في مشروعات وتنمية شبيهة بالاتفاق حول تطوير «حقل الدرة»، عندما وقّع البلدان مذكرة تفاهم مشترك بين الشركة الكويتية للنفط وشركة أرامكو بحضور الوزيرين المختصين، د. بدر الملا والأمير عبدالعزيز بن سلمان بن عبدالعزيز.

لكن المهم، في هذا الزمن، تعميق وحدة المواقف حول قضايا الإقليم الملتهب شمالاً وجنوباً وشرقاً، في البر والبحر والجو، في أخطر بقعة تمس الأمن والاستقرار العالميين، فمواقع الطاقة لا بد أن تنعم بالطمأنينة، لأن اشتعالها مؤذٍ للأسرة العالمية في جوانبها الحياتية، فلا مفر من تعاون كبار المنتجين في تأمين استمرارية التصدير، وفي تبني دبلوماسية الاعتدال في الأسعار، فالعالم لا يتحمّل تدخلات الراديكالية الراغبة بالمبالغة في الأسعار، ومن الإنصاف أن نسترشد بدبلوماسية السعودية حول الأسعار، حيث راعت القدرة الاقتصادية والمالية لمختلف الدول كعامل في تحديد أسعار النفط، لأن اقتصادات ومصالح المنتجين والمستهلكين تستدعي أن يكون السعر مقبولاً ومقدوراً عليه.

ويمكن القول وبإنصاف إن المملكة العربية السعودية تشكّل للكويت ولدول المجلس وللعرب قاطبة الرافعة، التي تحمل هوية الإقليم وطموحاته إلى مجلس إدارة العالم، الذي يضع قواعد الاستقرار والأمن العالميين، فليس من السهل اختراق مختلف الستائر المانعة من الوصول إلى هذا المجلس ما لم تملك مواصفات قلّ من يحملها.

تغيرت الأحوال وتبدلت القيادات، لكن الرابطة الكويتية السعودية تبقى متحدية التبدلات، مستمرة في فعاليتها في كل الظروف، والواضح أن نبض القيادة الكويتية حاضر يتفاعل مع ما كان يريده المرحوم الشيخ عبدالله السالم «أبو الاستقلال» وباني الكويت الحديثة.

عشت في الرياض 12 سنة، أدير مع المساعدين الأمانة العامة لمجلس التعاون، الذي جاءت متانته وصلابته من الرعاية السعودية التي لا تضعف ولا تتوقف.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى