يعقوب يوسف العمر: قصة من رحاب الحرم الشريف
نساء كويتيات ذهبن إلى العمرة وقد لاحظن امرأة جالسة أمام الكعبة وبجانبها طفل صغير لم يتجاوز السنوات العشر من العمر، وهو مشوه اليدين، وهي تبكي بحرقة، وبعد نهاية مناسكهن للعمرة ذهبن إليها وسألنها عن سبب بكائها، فقالت لهن: هل أنتم كويتيات؟ فقلن لها: نعم، فطلبت من الطفل أن يحضر لها كأساً من الماء، وألا يأتي حتى تذهب النساء، وفعل ما أرادت، فقالت سوف أحكي لكم قصتي من البداية، وقالت: منذ فترة طويلة وأنا آتي إلى العمرة وأجلس في هذا المكان، طالبة من الله أن يغفر لي ذنباً ارتكبته، وقالت منذ سنوات عدة كنت أعيش أنا وزوجي حياة سعيدة، ولا يكدرها أي شيء إلا الخلفة، وهذا الأمر يقلقني جداً، ولقد أجريت فحوصات على نفسي، ونتيجة الفحص بيّنت أن العيب مني وليس منه، فأصبح هذا الأمر يقلقني جداً وأن أحرم زوجي من الخلفة، وأنا السبب، فصارحته بأن سبب عدم الخلفة هو مني وليس منه، وطلبت منه أن يتزوج بواحدة أخرى لكي تنجب له طفلاً، وألا أحرمه من الخلفة التي يسعى إليها كل زوج، ولكنه رفض الطلب بالزواج بامرأة أخرى.. ويقول دائماً إن هذا ما كتب الله لي ولكن أنا أصر على زواجه وهو يرفض، ومن كثرة إلحاحي عليه وافق على أن أختار أنا له الزوجة، ولقد تم الزواج ونحن نعيش في بيت عربي، هي تسكن في غرفة، وأنا أسكن في غرفة أخرى، والبيت فيه غرف عدة، وفي منتصف البيت حوش عربي، وما هي إلا أشهر قليلة حتى أتت تخبرني بأنها حامل، حينها أحسست بشيء من الغيرة نحوها، وأخيراً ولدت بمولود ذكر، وغيرتي نحوها تزداد يوماً بعد يوم بأن الولد المفروض أن يكون من نصيبي، وفي يوم من الأيام وفي مساء شتاء بارد كانت الزوجة الثانية قد وضعت فحماً في «دوة» ووضعتها في وسط الحوش، وذلك لكي يتحول الفحم إلى جمر وأنا أنظر من غرفتي، وشاهدت الطفل يحبو متجهاً إلى «الدوة»، وقبل أن يصل إليها رجع مرة أخرى إلى الغرفة، وأنا من دون شعور خرجت من غرفتي مسرعة إلى الطفل وألقيته في «الدوة»، ورجعت إلى غرفتي مسرعة، فخرجت أمه مذعورة تبكي وتصرخ، ولكنها لاحظت صوت باب غرفتي يقفل، وشعرت بأنني أنا التي ألقيت ابنها في النار، وظل الطفل في المستشفى شهوراً عدة يُعالج من الحروق، وقالت الزوجة للزوج إنني الذي ألقيت الطفل بـ«الدوة»، ولكن زوجي لم يصدقها بأنني التي أقدمت على حرق الطفل، وقال لها كيف هذا يكون، وهي التي طلبت مني الزواج منك وذلك للخلفة؟ ومن المستحيل أن تفعل هذا الشيء، فالزوجة تأثرت كثيراً بعدم تصديقها بأنني ارتكبت الجريمة، وماتت الزوجة بجلطة في القلب، فأصبحت أنا والطفل والزوج في البيت، وبعد وفاة أمه أصبح هذا الطفل كأنه ابني الحقيقي، وأصبح معاق اليدين، وما هي إلا سنوات قليلة حتى توفي زوجي، فأصبحت أنا والطفل في المنزل، فصرت أحبه حباً أكثر من نفسي وأخاف عليه حتى من نسمة الهواء وألوم نفسي ليلاً ونهاراً، وكلما تذكرت جريمتي بحقه أبكي بحرقة وألم وأطلب من الله أن يغفر لي جريمتي بحق هذا الطفل البريء، فقررت في كل مطلع شهر أن أجلس أمام الكعبة متضرعة إلى الله أن يغفر لي خطيئتي، وقالت: هل راح يغفر لي ربي ما ارتكبت؟ فقلنا لها الله أعلم.