د. عبدالله المدني : قصة أغنية رفض جمال عبد الناصر منعها
كمال عطية (1919 ــ 2008) مخرج وسيناريست مصري معروف، وصاحب أعمال سينمائية جميلة وجريئة من تلك التي اعتمدت على الأكشن والمغامرات والجرائم الغامضة أو تطرقت إلى الصراع بين الخير والشر أو عالجت قضايا عاطفية واجتماعية، ومنها أفلام: «المجرم» و«الشوارع الخلفية»، علاوة على فيلمه الخالد «قنديل أم هاشم» المصنف ضمن أفضل مائة فيلم في تاريخ السينما المصرية، وفيلم «رسالة إلى الله» الحائز على جائزة أفضل فيلم في مهرجان كورك بإيرلندا في الستينيات.
غير أن كمال عطية في الوقت نفسه هو كاتب العديد من الأغنيات الجميلة التي ظهرت في أفلامه أو أفلام غيره من المخرجين.
لكننا سنتوقف هنا عند واحدة من أشهر الأغاني التي كتب عطية كلماتها ولحنها الموسيقار محمد الموجي لتغنيها الشحرورة صباح في فيلم «جوز مراتي» سنة 1961، وهي أغنية «الغاوي نقط بطاقيته» التي كادت أن تمنع لولا الرفض القاطع لذلك من قبل الرئيس الراحل جمال عبد الناصر. وملخص الحكاية هو أن المخرج نيازي مصطفى طلب في عام 1961 من زميله كمال عطية أن يكتب له أغنية تعبر عن موقف درامي معين كي تغنيها صباح أمام فريد شوقي في فيلم «جوز مراتي» الذي كان يخرجه آنذاك. فاستجاب عطية وكتب أغنية «الغاوي» التي أدتها صباح بصوتها الجميل.
لكن ما حدث بعد عرض الفيلم وقيام الإذاعة المصرية ببث الأغنية هو قيام البعض بحملة قاسية ضد الأغنية بدعوى أن صباح أدتها بطريقة غير مناسبة. وكان من بين الذين حملوا لواء النقد والهجوم عضو مجلس قيادة الثورة السابق ووزير التربية والتعليم آنذاك «كمال الدين حسين»، الذي كتب في صحيفة الجمهورية منتقداً صباح لدلعها الزائد أثناء تأديتها للأغنية، وشاتماً في الوقت نفسه كمال عطية باعتباره صاحب النص.
موقف كمال الدين حسين هذا، ومقاله المنشور بصحيفة مملوكة للدولة أغريا بعض رجال الصحافة للاقتداء بحسين.
لم تنته الزوبعة عند هذا الحد، بل قام الكاتب الصحافي وعضو الاتحاد الاشتراكي «سامي داوود» بتصعيد جديد تمثل في قيامه برفع الموضوع إلى رئيس الجمهورية، شاكياً وطالباً منه الأمر بمنع الأغنية.
تقول الكاتبة ريهام كمال في مقال نشرته عام 2020 في «الفجر الفني» بمناسبة ذكرى وفاة الشحرورة: إن رد عبد الناصر كان صادماً للكاتب سامي داوود، فقد تعجب الرئيس منه وقال له: «أنا ما أصدرتش أمر بسماع الأغنية وفرضها على الناس. همّا أحرار، اللي يسمع يسمع، واللي مش عاجبه زيك يا سامي يقفل ودانه أو ما يشتريش الأسطوانة. معقول يا سامي أقول لصباح بطلي دلع وأنتي بتغني الأغنية دي، أو بلاش تغنيها، ما ينفعش عيب! يجب إلا نحجر على أحد خصوصاً الفنانين». وبالمثل قام الكاتب الغنائي جليل البنداري بالدفاع عن الأغنية عبر رد ساخر طالب فيه أن تستبدل كلماتها بـ«الغاوي ينقط بالمدفع، يسلم لي قراقوش المصنع».
وقيل وقتها إن الأغنية كادت أن تتسبب بطلاق صباح من زوجها آنذاك المذيع أحمد فراج.
وسواء أكانت الأغنية وما أحدثته من ضجة مفتعلة أحد أسباب انفصال صباح وفراج لاحقاً أم لم تكن، فإن «الغاوي ظل ينقط» والمستمعين واصلوا الاستماع، حتى نسي الجميع أصل الحكاية وفصلها.