الاستدارة السعودية نحولبنان رهن بتبديد التحفظات السياسية.. *مفتي لبنان يناشد الرياض احتضان بلده ليعود كما كان
لا يزال الموقف السعودي من العودة إلى دعم لبنان اقتصاديا وماليا رهن بالتحركات السياسية في الداخل اللبناني لجهة تبديد تحفظات المملكة التي ظل السياسيون اللبنانيون ينظرون إليها على أنها داعم مالي دون التقيد بالتزاماتهم تجاهها، وهو ما لم يعد ينسجم مع الإستراتيجيات الجديدة للرياض في المنطقة.
وناشد مفتي لبنان عبداللطيف دريان الأربعاء بمناسبة ذكرى تأسيس المملكة “السعودية الحكيمة أن تستمر في احتضان بلده، ليعود لبنان كما كان سيدًا حراً عربياً مستقلًا”.
وقال الشيخ دريان “نعتز بالإنجازات التي حققتها القيادة الرشيدة في المملكة بما قامت وتقوم به من مشاريع وبما تتحمله من أعباء ومسؤوليات وإيلاء العناية بالأماكن المقدسة ما تستحقه من اهتمام”.
وأضاف “السعودية اليوم تشكل رأس الحربة في مواجهة أعداء العروبة والإسلام، وتلقى التأييد والتضامن والتقدير والثناء من الوطن العربي والعالم الإسلامي”.
وتابع “هي مملكة الخير وحصن السلام والأمان والإنسانية والعزة والكرامة، ولا ننسى الدعم الذي قدمته للبنان منذ عهد الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود، مروراً بأبنائه الملوك البررة الحريصين على سيادة لبنان وحريته وعروبته ليبقى ركناً أساسياً في مسيرة العمل العربي المشترك”.
وأضاف مفتي لبنان “حمى الله المملكة وقيادتها وشعبها لتبقى كعهدنا بها محتضنة قضايا العرب والمسلمين في كل مكان”.
وتشدد الرياض على عنوانين أساسيين لإعادة دعم لبنان ماليا والانخراط في تحفيز اقتصاده: الأول هو التأكيد على أن الأزمة هي بين الشعب اللبناني وحزب الله، على أساس أن مصدر التوتر يتمثل في هيمنة الأخير على الساحة السياسية، أما الثاني فهو ضرورة حصول إصلاحات حقيقية بالتزامن مع حثّ القوى السياسية على مواجهة الحزب الموالي لإيران.
وتقول أوساط سياسية لبنانية إنه “بالنظر إلى تاريخ العلاقات بين السعودية ولبنان، فإن الرياض هي الأكثر قدرة من بين دول الخليج على دعم لبنان ومساعدته في الخروج من أزماته”، لكن هذه الأوساط تشير إلى أن السعودية قد لا تجازف بدعم حكومة يتحكم فيها حزب الله.
وتنتظر السعودية من القادة اللبنانيين الالتزام بتعهداتهم تجاهها، لا الاقتصار على الأقوال كلما احتاج لبنان إلى الدعم المالي والاستثمارات.
ويدعم حزب الله طهران في صراعها الإقليمي على النفوذ مع دول الخليج، ولديه جناح مسلح أقوى من الجيش اللبناني ويدعم حلفاء موالين لإيران في المنطقة، ومن بينهم في سوريا. كما تمارس الجماعة وحلفاؤها نفوذا كبيرا على سياسة الدولة اللبنانية.
وبذلت الرياض كل ما في وسعها على مدى سنوات لدعم لبنان وحث الفرقاء على منع ارتهانه إلى أيّ جهة خارجية، لكن اللبنانيين ظلوا ينظرون إلى المملكة كجهة مهمتها ضخ الأموال وتحريك الاقتصاد والسياحة دون أيّ التزام سياسي تجاهها، وهو خيار لم يعد يتماشى مع سياستها الجديدة.
وقدّمت المملكة المليارات في سبيل إعادة إعمار لبنان بعد الحرب الأهلية (1975 – 1990)، لكنّها بدت في السنوات الماضية غاضبة جراء فشل القادة السياسيين في كبح جماح حزب الله المسلّح والنافذ والمدعوم من إيران.
ويواجه لبنان أزمة اقتصادية خانقة تستوجب دعما ماليا خليجيا (سعوديا بشكل خاص) ودوليا لتفادي انهيار يقول مراقبون إنه بات وشيكا.
وتتخذ الأزمة الاقتصادية غير المسبوقة التي يعاني منها لبنان منذ صيف 2019 مسارا تصاعديا، ووصفها البنك الدولي بأنّها من بين الأسوأ منذ عام 1850.
وتقدّر الأمم المتحدة أنّ 78 في المئة من الشعب اللبناني يرزحون تحت خط الفقر في ظلّ تضخم جامح وعمليات تسريح من الوظائف.
ورغم انكفائها السياسي، تعمل السعودية على توفير شبكة أمان دولية للحفاظ على أمن لبنان، رغم تحفظاتها على سيطرة حزب الله الموالي لإيران على الحياة السياسية وعجز الساسة اللبنانيين عن تحجيم نفوذه والوفاء بوعود قُطعت سابقا للعمل على ذلك.
ويقول محللون إن الرياض تفصل بين المحافظة على استقرار لبنان وأمنه وبين العودة إلى الانخراط في اللعبة السياسية التي انكفأت عنها بعد غياب الطرف السياسي الموثوق الذي تتعامل معه، بما في ذلك المكون السني الذي عجزت قيادته عن الإيفاء بالتزاماتها تجاه المملكة.
وكانت السعودية ودول الخليج الثرية يوما من الدول المانحة السخية للبنان، لكن العلاقات توترت لسنوات بسبب تنامي نفوذ جماعة حزب الله المدعومة من إيران.
وترى الدول الخليجية المناهضة للمشروع الإيراني في المنطقة أن حزب الله، الحليف الأهم لطهران في المنطقة، يهيمن على مراكز القرار في الدولة اللبنانية التي باتت مؤسساتها، بما فيها الأمنية، مهمشة وخاضعة له.
ولذلك تعتبر الدول الخليجية أن أي دعم يمكن تقديمه للدولة اللبنانية سيسهم في تقوية حزب الله وتعزيز النفوذ الإيراني في لبنان بشكل أكبر.
وتهدد سيطرة حزب الله على ملفات عدة في لبنان ثقة العالم والدول العربية في الأمن والاستقرار المطلوبين للاستثمار في القطاعات اللبنانية.
*العرب