عبدالله بشارة: مستجدات في دبلوماسية الكويت.. رموزها صباح والزين
استقبل سمو نائب الأمير ولي العهد الشيخ مشعل أحمد الجابر الصباح في قصر بيان يوم الإثنين 13 مارس 2023 وزير الخارجية الشيخ سالم العبدالله الجابر، حيث قدم لسموه رؤساء البعثات الدبلوماسية والقنصلية الجدد، كلاً من الشيخ صباح ناصر صباح الأحمد سفيراً للكويت في المملكة العربية السعودية، والشيخة زين الصباح سفيرة لدى الولايات المتحدة الأميركية، حيث أديا اليمين الدستورية أمام سموه، هكذا جاء الخبر عن مراسم حلف اليمين حملته وكالات الأنباء العالمية وصحافة الكويت بسهولة، رغم أنه يحمل مستجدات أفرزتها كارثة الغزو المشؤوم..
تبحر الكويت الآن حاملة دبلوماسية غير تلك التي أغرت صدام حسين ومجموعته من قطاع الطرق، لاستسهال دخول الكويت، كما كانت تردد هذه المجموعة الكئيبة، وإنصافاً لقيادة الكويت قبل الغزو، فقد التزمت هذه القيادة الشروط التي وضعتها القيادة الناصرية لانضمام الكويت للجامعة العربية عام 1961، رغم أن هذه القيادة تجاهلت حق الكويت في اختيار الآليات التي تؤمن سلامتها، ومن تلك الشروط انسحاب القوات البريطانية التي أراد أمير الكويت الشيخ عبدالله السالم تواجدها لصد تهديدات حكومة العراق العسكرية.
كان أمير الكويت أمام تحد يمس حقه في تأمين آليات السلامة، ولم يكن من السهل اتخاذ سحب الجنود البريطانيين دون بديل يريح الكويت ويؤمن استقلالها، وتقبل الأمير مخرجاً يقدم دعماً سياسيا ومعنوياً لكنه بملابس عسكرية، حيث تواجدت القوة العسكرية العربية، جدواها السياسي أمضى من سلاحها، وبأجوائها عاشت الكويت منذ عام 1961، حتى الغزو، من دون قوة رادعة، معتمدة على دبلوماسية ناعمة، تمثلت في حيوية عروبية تتفاعل بجدية مع قرارات الجامعة، متطوعة في مساع لتحويلها إلى واقع، ومنها أصبح المرحوم الشيخ صباح الأحمد مبعوث المساعي الحميدة في تجاوز الخلافات العربية، متنقلاً بين العواصم العربية باحثاً عن مدخل يحقق له مقاصده في التضامن العربي الذي آمن به كمناخ يريح الكويت، وآمن بضرورته لكي ترتاح النفوس فيها.
والحقيقة أن هذه الفلسفة استوطنت الكويت، وبرزت كعقيدة استراتيجية للدبلوماسية الكويتية، تحمي الكويت وتصد التدخلات في شؤونها وتردع من له شهية في أراضيها مع التزام علاقات عامة مع جميع دول العالم، بما فيها الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن، من دون حميمية ومن دون قنوات خاصة مع أي منها، فضلاً عن جهود الشيخ صباح الأحمد الذي كان يترأس أعقد المأموريات في الخلافات العربية حول لبنان وفلسطين ومشكلات العراق مع إيران، فقد كان رئيساً للجنة العربية للدفاع عن العراق عند حدوث الغزو..
كانت وزارة الخارجية الكويتية الكتيبة التي يقودها الشيخ صباح لبناء منظومة عربية جامعة فيها تبادلية الثقة واستدامة الاطمئنان.
في الساعات الأولى من صباح الثاني من أغسطس 1990، دخلت القوات العراقية عابرة الحدود تنفيذا لأمر صدام حسين باحتلال الكويت، ومن وزارة الدفاع خرج الشيخ صباح الأحمد النائب الأول وزير الخارجية إلى مبنى وزارة الخارجية، وكنت معه في السيارة التي حملتنا من الوزارة إلى الحدود السعودية.
كان صامتاً حزيناً متأثراً، فمؤسسة التضامن العربي ومفهوم التآخي ومنابع الاطمئنان كلها دمرت، وظهرت وقائع العالم العربي وحقائقه من دون مكياج، وكانت صادقة ومؤلمة لكن إيجابياتها جاءت في استرداد الوعي بأن الدول لا تزدهر من دون آليات الردع، فمن دونها لا ضمان لما يخبئه المستقبل.
ومن العبر التي استخلصناها من كارثة الغزو، تم وضع استراتيجية متحركة تعظم أعمدة الاستقرار وتصون استدامة الاستقلال وتؤمن السيادة، فخرجت من هذه الاستراتيجية مواقع خاصة تداخلت مع الكويت في شبكة تنوعت خيوطها بكل الألوان السياسية والعسكرية، والأمنية، والاقتصادية، والتعليمية، مع تشاورات دورية، وأهم من كل ذلك تعاظم الإيمان الكويتي بمردودها وملاءمة حصادها.
وأستذكر في هذا المنحى ما كان ينصح به المرحوم الشيخ عبدالله السالم بالترابط المصيري مع المملكة العربية السعودية، وتعميق التفاهم مع بريطانيا وترسيخ هوية المصالح الكويتية، ومنحها الأولوية في إطار الجامعة العربية، ونسعد الآن بمذاق الترابط مع المملكة ثنائياً وفي حضن مجلس التعاون الذي جاء التحرير من أراضيه وسمائه وبحره، مع سماحة الحضن الخليجي وكرمه في استضافة الكويتيين الذين خرجوا بمزاج مخالف تماماً عن ذلك الوضع الذي ترك الكويت مفتوحة الأبواب لجيش الاحتلال من دون مواجهة.
بهذه التقاسيم التي تتميز بها العلاقات الكويتية – السعودية، يجد الشيخ صباح ناصر الصباح، سفير الكويت الجديد في الرياض، أمامه الملف الذي يضم سرداً تاريخياً جميلاً وصادقاً لعلاقات صلبة تميزت بتبادلية التضحيات وبسلاسة اللقاءات سواء بين القادة أو بين التجمعات المهنية والشعبية المختلفة.
وعندي الثقة التامة بأن الشيخ السفير صباح الناصر، على علم بأن زمنه ومهمته وطموحاته في الرياض غير تلك التي حملها سفراء كويتيون قبل الغزو، وأن عليه أن يهتدي بما رسمه السفراء الذين عاصروا التحول الاستراتيجي الكويتي ومعظمهم من أبناء الأسرة.
كما نرحب بانضمام الشيخة الزين الصباح إلى الكتيبة الدبلوماسية الكويتية التي ستأخذها إلى واشنطن، مع قناعتي بأنها ستجد الأجواء في مدينة واشنطن مبتسمة لها، لما تملكه من خلق واتزان ونضج هادئ، ووعي بأثقال المهمة التي وضعتها الكويت على أكتافها.
وأتمنى أن تحصل على دعم وتأييد، فلا بد أن توسع المسارات بين البلدين، وفي كل المجالات، فالترابط الاستراتيجي مع واشنطن يتجسد في الجانب العسكري بشكل بارز، بينما نتمنى اتساع الممرات في العلاقات، فأرجو تواجد غرفة التجارة، ومجموعة من أساتذة الجامعة، وأخرى من الصحافة، مع دعوات إلى تنوع ضيوف الكويت من الأميركيين بحيث نضمن التواصل المتنوع، وتضخم الدبلوماسية الشعبية في التواصل بين الطرفين.
ويمكن أن أشير إلى ما نقله لي السيد يوسف العلوي، وزير خارجية سلطنة عمان السابق، خلال اجتماع في أحد لقاءات وزراء خارجية مجلس التعاون، بأن الرئيس جورج بوش الأب استفسر منه عن أسباب برود الكويت في علاقاتها مع واشنطن، والصحيح أن علاقاتنا كانت بحاجة إلى الحميمية التي تواجدت في علاقات دول مجلس التعاون مع واشنطن، وغابت عن الكويت.
تملك الكويت المؤهلات التي تضمن لها موقعاً مميزاً في واشنطن، معتمدة على استعراض ما تملكه من دستور يتسيده سلطان القانون، الذي يرسم خريطة لحياة الكويت وحقوق شعبها ونظامها السياسي، ويركز على فكر الكويت في رفعة الإنسان وحماية حقوقه، وحرية الرأي ودعم حقوق المرأة، وفوق ذلك تتميز الكويت بسخاء في شراكتها ببرامج التنمية في الدول النامية.
ستجد السفيرة المتوثبة ترحيباً صادقاً من التجمعات المختلفة، فلا بد أن توظف السفيرة الزين جميع المنصات، وتخطب بقوة، موضحة حقائق الكويت وجمال محتواها، وعليها الاستعانة بما تملكه الكويت من طاقات ومواهب في مسار عملها، وتعمل لتعميق شبكة الترابط مع الولايات المتحدة وتتداخل مع الجمعيات غير الحكومية، وتبني صداقات مع المراكز الفكرية، نحن نتوقع منها الكثير وندعو لها بتحقيق الآمال في توطيد الترابط الاستراتيجي.