بدر خالد البحر: شؤم «الكضية» الفلسطينية.. وقضيتنا
في مثل هذا اليوم قبل خمسة وسبعين عاما قامت عصابات بقصف المنازل بقذائف الهاون ثم اقتحموها وقتلوا جميع من فيها، شيوخا ورجالا ونساء واطفالا، فعذبوا واغتصبوا ومثلوا بجثثهم وبقروا أحشاء الحوامل ليتراهنوا على أجناس الأجنة. إنها ذكرى مجزرة «دير ياسين» التي ارتكبها الصهاينة، بقيادة «بيغن وشامير»، اللذين أصبحا لاحقا رئيسي وزراء، فراح ضحيتها كما أشيع ما بين مئتين وثلاثمئة، غير أن مصادر فلسطينية قدرتهم بحدود مئة قتيل، فكانت واحدة من أبشع المجازر بعد الحرب العالمية. ومن الملاحظ أن الصهاينة يرتكبون جرائمهم بالفلسطينيين تزامنا مع ممارسة شعائرهم، فمذبحة دير ياسين وافقت عيد الفصح اليهودي، كما أن اقتحامهم للمسجد الأقصى والاعتداء على المعتكفين الاسبوع الماضي صادف التحضيرات التي سبقت ذلك العيد، حين أطلقوا النار فأصابوا اطفالا واعتدوا بالهراوات حتى على النساء أيضا واعتقلوا المئات.
ان المتابع لمجريات القائمين على إدارة القضية الفلسطينية، سيجد أغلبهم انحرفوا عن مسار تحرير الاراضي إلى منحى بعيد جدا جعل – على سبيل المثال – من منظمة التحرير أحيانا وكيلا بالعمولة لتحقيق مصالح لا علاقة لها بالقضية، فأصبح بعض زعمائها مليونيرية تجوب شركاتهم العواصم الأوروبية على حساب القضية وتداعيات اتفاقية أوسلو، والشواهد والأدلة متخمة وكتبنا بذلك كثيرا منذ عام 2004. ولا بد من القول إن هناك شيئا أشبه بالشؤم أو اللعنة – إن جاز التعبير – تصيب كل من حاول مساعدة هذه القضية، فالكويت أسست المنظمة بأموالها وعلى اراضيها، بل وجنست البعض، فتلقت من معظمهم أول خنجر في خاصرتها أثناء الغزو، فمثلا، عرفات قام برحلات مكوكية للدفاع عن صدام ووقف حجر عثرة بالجامعة العربية عند التصويت لمصلحة الكويت، وقامت بعثات دبلوماسية فلسطينية من خلال مرتزقتهم بتهديد بعض السفراء الكويتيين بالاختطاف والاغتيال، كما حدث مع سفيرنا بالبرازيل آنذاك، كما راح الشعب الفلسطيني نفسه بالقدس والضفة، الذي نؤازره اليوم بعد الاعتداء الاسرائيلي، بالهتاف لصدام ورفع أعلامه في شوارعهم، فنسف بذلك الفلسطينيون تاريخا من العطاء والوفاء.. نكران لم تسلم منه دول خليجية أغدقت عليهم بالعطاء السياسي والمالي لتكون النتيجة الطعن والتطاول الممنهج عليها بين الحين والآخر، وسمعنا ذلك حتى في خطب الجمعة أحيانًا.
دولة أخرى كانت ضحية أيضا هي الاردن، حيث تحدى مسلحو منظمة التحرير الحكومة وقوات الملك حسين بعد أن وفر لهم الدعم واللجوء ببلاده، وتمكن الفلسطينيون من السيطرة على أجزاء من الأردن وتصعيد عملياتهم ضد إسرائيل مما جعلها تقصف الاراضي الاردنية، حتى حاول الفلسطينيون إطاحة الملك حسين واغتياله مرتين كما تردد في ذلك الوقت، فاشتعلت مواجهة عسكرية بين الطرفين، سميت «أيلول الأسود»، انهزمت فيها المنظمة مخلفة آلاف القتلى ليتم طردها ومسلحيها الى لبنان الذي يعد البلد الأكثر تضررا من المنظمات الفلسطينية حتى يومنا هذا، ومنذ خضوعه لاتفاق القاهرة الذي أقر الوجود الفلسطيني المسلح رغم الغائه، حيث سيطرت منظمة التحرير ومقاتلوها آنذاك على أجزاء من لبنان وزعزعوا عملته واقتصاده، فأنشأوا دولة داخل دولة حتى تسببوا باندلاع حرب اهلية ومواجهة مع إسرائيل أدت لاجتياحها للاراضي اللبنانية بما سمي عملية الليطاني، فاحتلت جنوب لبنان للقضاء على المنظمات الفلسطينية مما أدى لقتل آلاف منهم ومئات المواطنين اللبنانيين الابرياء وتهجير مئات الآلاف منهم!
وها هو الشؤم يعود بلعنته ليهدد لبنان مرة أخرى نتيجة قيام حركة حماس الفلسطينية، التي سمت الايراني قاسم سليماني شهيد القدس، بإطلاق صواريخها الاسبوع الماضي على إسرائيل من الاراضي اللبنانية بترتيب حزب الله، مما تسبب بقصف إسرائيلي مماثل وهو ما قد يعيد لبنان لدائرة صراع شبيهة بحرب 2006 التي دمرت لبنان!
إننا إذ نشيد بدور الكويت الرسمي الداعم للقضية الفلسطينية بالمحافل الدولية ودور المجتمع المدني الذي أصدر مؤخرا بيانا لثمانية وثلاثين جهة عقب اجتياح إسرائيل للأقصى، فإننا نحذر من ضرورة إبقاء أي دعم مادي خارج الحدود الجغرافية لدولة الكويت، وعدم تمكين أي منظمة فلسطينية من أن تضع أقدامها على أراضينا، فالتاريخ يشهد بوجود شؤم يحوم حول لعنة القضية، أو باللهجة الفلسطينية، شؤم يحوم حول لعنة «الكضية» الفلسطينية.
ندعو المولى عز وجل أن تعود الاطراف المتصادمة بالساحة المحلية السياسية لتعاليم الدين القويم ومواد الدستور وميزان العقل، كي لا تصيبنا نحن أيضا لعنة فندخل في دوامة أخرى لن نجد فيها حلا لقضيتنا.
إن أصبت فمن الله وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان.