السيــد زهـــره : أمريكا في ورطة
في الأيام القليلة الماضية وجدت الإدارة الأمريكية نفسها فجأة في ورطة كبرى.
الورطة سببها تطوران حدثا في وقت واحد بشكل غير متوقع على الاطلاق.
الأول: فضيحة وثائق وزارة الدفاع الأمريكية «البنتاجون» السرية التي تم تسريبها ونشرت على الانترنت.
والثاني: التصريحات التي ادلى بها الرئيس الفرنسي ماكرون حول علاقة الدول الأوروبية مع أمريكا.
كما سنرى، التطوران يتعلقان بقضية واحدة.
فضيحة تسريب وثائق البنتاجون والمخابرات الأمريكية التي ما زالت تطوراتها تتوالى فضيحة كبرى مدوية غير مسبوقة.
البنتاجون اعتبر ان تسريب الوثائق «تطور خطير يهدد الأمن القومي الأمريكي». وهي بالفعل كذلك من زوايا عدة.
قبل كل شيء، هذه الوثائق المسربة ليست وثائق قديمة أو تتعلق بأحداث أو مواقف ماضية، وانما هي وثائق حديثة تم اعدادها قبل أسابيع فقط.
تسريب كل هذا الكم من الوثائق الحديثة أثار شكوكا كثيرة وتساؤلات عديدة حول كفاءة ومقدرة الأجهزة الأمريكية خاصة ان الأمر يتعلق بمؤسستين من أكبر وأخطر المؤسسات الأمريكية، وزارة الدفاع والمخابرات. ليس مهما هنا الجدل الدائر حول من الذي قام بتسريب هذه الوثائق، المهم ان الاختراق حدث ولا أحد يعرف هل توقف الأمر أم ان هناك وثائق أخرى في طريقها للتسريب.
الملفت هنا انه بعد ان حاول بعض المسئولين والمصادر الأمريكية القاء المسئولية على روسيا في تسريب الوثائق، ذكر مسؤول أمريكي سابق في «البنتاجون»: «أن التركيز ينصب حاليا على أن التسريب هو شأن أمريكي داخلي، لكون كثير من الوثائق كانت بأيدي الأمريكيين فقط»، أي ان التسريب حدث من داخل الأجهزة الأمريكية نفسها.
الأمر الخطير الآخر ان الوثائق السرية المسربة تتعلق في جانب أساسي منها بتطورات حرب دائرة حاليا تشغل العالم كله هي حرب أوكرانيا، وكشفت اسرارا مثيرة عن الأوضاع العسكرية في اوكرانيا ونقاط ضعفها، كما كشفت الكثير عن خطط أمريكا والدول الأوروبية في الحرب وحقيقة الدور الذي يلعبه الغرب في الحرب.
لهذا، الكل اعتبر ان تسريب هذه الوثائق وجه ضربة لأوكرانيا نفسها وفضح الدور الغربي وكشف أمورا كانت الدول الغربية تحاول اخفاءها.
لهذا من الطبيعي ان تفجر الفضيحة غضب أوكرانيا وأيضا غضب الدول الأوروبية الحليفة لأمريكا المتورطة في الحرب.
وكشفت الوثائق السرية المسربة عن جانب خطير آخر وهو قيام أمريكا بالتجسس على كل حلفائها بأشكال عدة، وان المخابرات الأمريكية تتنصت على محادثات القادة والمسئولين في هذه الدول الحليفة، وكيف ان المخابرات جندت عملاء لمتابعة مباحثات القادة في الاجتماعات خلف الأبواب المغلقة.
دعك هنا من تصريحات بعض المسئولين الأمريكيين الذين يقولون ان بعض هذه الوثائق ليست صحيحة وتم فبركتها أو تعديلها والإضافة اليها، فقد اعترف البنتاجون بأن الوثائق بشكل عام صحيحة. دعك أيضا مما يقوله البعض من ان تسريب الوثائق قد يكون في إطار حملة تضليل غربية متعمدة.
كل هذا لا يغير من ابعاد الفضيحة والكارثة كثيرا. المسئولون الأمريكيون أنفسهم يعترفون بهذا، وتحاول الإدارة الأمريكية جاهدة احتواء الأضرار الجسيمة ولملمة الفضيحة.
المهم ان الوثائق المسربة وضعت أمريكا في ورطة حقيقية. هزت الثقة في أجهزتها ومؤسساتها ولطخت سمعتها. وأخطر ما في الأمر انها خلقت ازمة كبرى بين أمريكا وحلفائها لا تعرف ادارة بايدن حتى الآن كيف تحتويها. وبحسب المعلومات التي نشرت فإن اتحاد المخابرات في الولايات المتحدة وكندا والمملكة المتحدة وأستراليا ونيوزيلندا، أو ما يسمى «العيون الخمسة»، طلب إحاطات من واشنطن لكنه لم يتلقّ بعد ردا.
للحديث بقية بإذن الله.