أحمد الدواس : انقلاب السودان واحتمال نشوب الحرب الأهلية
معظم التحليلات الأجنبية تحدثت عن انقلاب السودان بشكل معقد نوعا ما، سنحاول شرح الأحداث بشكل مختصر للغاية.
عانى السودان منذ استقلاله عام 1956 من الانقلابات العسكرية، ولما تسلم الحكم عمر البشير عام 1989 كان حكمه مستبدا، فأرسل البشير قائدا عسكريا، هو محمد حمدان دقلو الملقب بـ”حميدتي” ليضرب ثوار دارفور في غرب السودان قرب تشاد، وعاد كالمنتصر فكان ضمن رفاق البشير، جنبا الى جنب مع العسكري عبد الفتاح البرهان الذي ترقى في وظيفته في عهد البشير.
لكن هذين الشخصين أطاحا بحكم البشير عندما انقلب الجيش عليه واعتقله، ثم تولى البرهان رئاسة البلاد، وحميدتي نائبه، وتعهدا للشعب بالانتقال الى الحكم المدني خلال سنتين، أي ابتداء من 15 إبريل 2023، لكنهما أيضا لم يبرا بوعودهما، فكل منهما أراد استمرار الحكم العسكري والتفرد برئاسة البلاد، ما أشعل فتيل القتال بينهما.
أي أن الرجلين انقلبا على البشير ثم انقلب كلاهما على الآخر.
فقبل الانتقال للحكم المدني المرتقب في منتصف ابريل الجاري، بدأ حميدتي، أول خيوط الانقلاب بأن طوق القاعدة العسكرية في مروي شمال الخرطوم، فأشار إليه البرهان بالخروج من القاعدة العسكرية، وكذلك منع قوات حميدتي من الانتشار في مناطق السودان، لكن الآخر رفض الأوامر، وهو يتزعم ما يسمى “قوات الردع السريع”، وعديدها يتراوح بين 30 ألفا و 50 الف جندي.
كان كلاهما يطمع برئاسة البلاد لما في المنصب من مزايا مالية، ولم يقتصر الصراع على الخرطوم، بل امتد الى مدن سودانية، وحتى كتابة هذه السطور مات وأُصيب في الانقلاب مئات المدنيين، سواء في داخل المستشفيات أو خارجها لنقص الدواء والمواد الغذائية.
في خضم الاشتباكات المسلحة في العاصمة نُهبت محال تجارية، كما يحدث في حالات الكوارث، وفر كثيرون من العاصمة، كما أجلت الحكومات العربية والأجنبية رعاياها من السودان.
لا نعتقد ان أميركا ستتدخل عسكريا للمساعدة على حل الأزمة السودانية، فقد فشلت في أفغانستان والصومال وليبيا، وربما لن تجد نداءات الاتحاد الأفريقي، أو الأمم المتحدة، آذانا مصغية من كلا الجانبين المتصارعين لوقف القتال.
قد تؤثر أحداث السودان في أوضاع الدول المجاورة، فأثيوبيا، مثلا، في صراع عسكري ضد الثوار في إقليم تيغراي، وقد تتأثر ليبيا، فحميدتي كان قد ساعد الحكومة التي يرأسها حفتر في شرق ليبيا، وتشهد تشاد تدفقا للاجئين السودانيين.
لكن أخطر ما سيحدث في اعتقادي، ان ينتقم المتمردون في إقليم دارفور من حميدتي على جرائمه ضدهم، وهنا سيتمزق السودان، مع العلم ان شرق السودان كان قد شهد قبل سنوات اضطرابات داخلية، لهذا نعتقد ان الوضع سيكون خطيرا جدا، وستنشب حرب أهلية تأكل ما تبقى من الأخضر واليابس.
لتبيان خطورة المأساة في السودان، أود أن أشير الى إنني عملت في سفارتنا الكويتية في السودان ست سنوات حتى 1980، وكانت الحياة المعيشية قاسية للغاية، فالكهرباء تنقطع يوميا، وبالطبع ينقطع وصول الماء الى المنازل لأن مولدات الحكومة الكهربائية لا تعمل، كما لا يستطيع الناس تعبئة سياراتهم بالبنزين، الذي ينقطع فلا يتوافر في المحطات من حين لآخر.
ومن صعوبة الحياة أنك لاتجد رغيف الخبز أحيانا، ولايوجد”سوبرماركت”، وبالطبع لا مجمعات تجارية، ولا تجد قطع غيار لسيارتك، عذاب ومشقة تلو الأخرى.
ثم تحملنا مخاطر أمنية، كوقوع محاولتي انقلاب ضد الرئيس السوداني جعفر النميري في عامي 1976 و1977، واعتقد ان الحياة الصعبة استمرت ولم تتحسن.
فإذا كانت الأوضاع المعيشية في السودان قاسية على هذا النحو في الأيام العادية، فماذا ستكون عليه حياة الناس المعيشية، إذا عاشوا في ظل حرب أهلية طاحنة؟
كان السودان أكبر بلد عربي مساحة، لكنه أضاع جنوب البلاد عندما استقل جزء من أراضيه قبل 12 سنة باسم جنوب السودان، وربما سنشهد قريبا صراعا مسلحا في دارفور في غرب البلاد، ثم في شرقه، وكأن آخر أمر يفكر به البرهان ونائبه هو الوحدة الوطنية والحفاظ على الوطن وحياة الناس.