باحثون يؤكدون أن ولي العهد السعودي بات شخصية أساسية في المشهد الجيوسياسي المتغيّر ليس فقط على المستوى الاقليمي ولكن الدولي
تطمح المملكة العربية السعودية للعب دور دبلوماسي اكبر ليس فقط على المستوى الإقليمي ولكن على المستوى الدولي كذلك وهو ما يفسر جمعها خلال قمّة جامعة الدول العربية الجمعة في جدّة الرئيس الأوكراني فولوديمير زلينسكي ونظيره السوري بشار الأسد، حليف موسكو، في القاعة نفسها للتأكيد بأنها قادرة على لعب دور وساطة في كثر من الملفات الدولية.
ويرى محللون أن تواجد الرجلين بشكل غير متوقع في المدينة المطلّة على البحر الأحمر، بدا وكأنّه يهدف لإبراز نفوذ ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الذي تمكن في السنوات الاخيرة من جعل الدبلوماسية السعودية أكثر إشعاعا.
ويقول الباحث في معهد بيكر بجامعة رايس، كريستيان أولريتشسن “ولي العهد بات شخصية أساسية في المشهد الجيوسياسي المتغيّر وهو امر بات يلحظه كثيرون”.
وتابع “السعوديون يثبتون أنهم قادرون على سدّ فجوات، لا يحلم آخرون بجسرها”.
ورغم أن قمّة جدّة لم تفضِ إلى أية قرارات مهمة، إلا أنّ بإمكان السعودية التباهي بأنها تمكّنت من استضافة اجتماع جرى بشكل سلس وتمّ خلاله إخفاء التوتر الناجم عن وجود الأسد وزيلينسكي في آنٍ، على الأقلّ ليوم واحد وهذا انتصار للدبلوماسية السعودية.
وجاءت زيارة الأسد إلى السعودية بعد سلسلة أحداث تمهيديّة: ففي الأسابيع الأخيرة تبادل وزيرا الخارجية السعودي والسوري الزيارات وأعلنا عزمهما على إعادة فتح البعثات الدبلوماسية المغلقة منذ عام 2012، حين قطعت الرياض علاقاتها بسوريا على خلفية النزاع.
ويعود الاحتضان الإقليمي الأوسع إلى العام 2018، عندما استأنفت الإمارات علاقاتها بدمشق وقادت الحملة لإعادة الأسد إلى محيطه العربي.
ورغم ذلك، بقيت هناك مخاوف بشأن مدى قبول حضور الأسد الجمعة، نظرًا إلى وجود تحفّظات من جانب بعض القادة العرب بشأن عودته إلى الحاضنة العربية.
يقول الخبير في شؤون الشرق الأوسط حسين إبيش إن “الأمر كله يتعلق ببشار الأسد”.
ويضيف “إذا كان متعاونًا ولم يلُمهم (العرب)، فإن إعادة قبول نظامه المنتصر، وهو أمر حتميّ مهما كان مقيتًا، سيستمرّ ‘بشكل طبيعي'”.
وفي نهاية المطاف، أشاد الأسد بالأمير محمد بن سلمان ما يشير الى تقارب يهدف الى تطبيع كامل للعلاقات.
وفي وقت أكد على أهمية أن ترتّب كل دولة شؤونها بدون “تدخّل أجنبي”، لم يثر الأسد غضب قادة جامعة الدول العربية التي سمحت للمعارضة السورية خلال قمّتها في الدوحة عام 2013، بتولي المقعد الرسمي لبلاده.
وأفادت وسائل الإعلام السورية الرسمية أن الأسد صافح وتحدث مع أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، المعارض الشرس للنظام السوري والذي دعت حكومته إلى محاسبة دمشق على “جرائم حرب” ارتُكبت بحق الشعب السوري.
غير أنّ كل هذه الخطوات لا تعني أن الأزمة السورية انحلّت، خصوصًا إذا لم تعالج إعادة دمج الأسد القضايا المتعلقة باللاجئين السوريين وتجارة الكبتاغون.
وتعتبر الخبيرة بمركز الأهرام للدراسات السياسية في القاهرة رابحة سيف علام أن “الترحيب العربي بسوريا احتفالي أكثر من انه يُبنى عليه شيء ملموس”.
وتضيف أن “الإجراءات والخطوات القادمة مع سوريا لها حسابات أخرى لأن مطالب الدول العربية لا تتعلق بالديمقراطية أو بالحوكمة بل تتعلق بالأمن الإقليمي والمخدرات وعودة اللاجئين والإرهاب”.
وترى الباحثة في معهد دول الخليج العربية بواشنطن كريستين ديوان، أن “إعادة الأسد إلى الحاضنة العربية أحدثت خلافات، أبرزها مع قطر”.
وتضيف “لكن السعودية ستستمتع بأخذ زمام الأمور وفرض إجماع عربي”.
لاعب دولي
وكان زلينسكي في قمّة جدّة أكثر مواجهةً، إذ اتّهم بعض القادة العرب بـ”غضّ الطرف” عن المعاناة التي تشهدها بلاده على أيدي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وتقول رابحة سيف علام إن “حضور زلينسكي أفسد على الأسد فرحته بالقمة لأنه ذكّر الحاضرين بجرائم روسيا في أوكرانيا”.
وفي مؤتمر صحافي في ختام القمّة، قال وزير الخارجية السعودي الامير فيصل بن فرحان إن قرار الرياض دعوة زلينسكي يعكس “الانفتاح على سماع جميع الأطراف وجميع الاصوات … بدون أن نسمع وجهات النظر (كافة) لن نستطيع أن نكون مساهمين فاعلين في إيجاد حل”.
غير أنّ السوريين على الأقلّ كانوا غير مهتمّين إطلاقًا بسماع خطاب زيلينسكي. فقد صمّ الوفد السوري آذانه لكلمة الرئيس الأوكراني، ممتنعًا عن وضع سماعات الترجمة، وفق صحيفة الوطن السورية، المقربة من الحكومة.
لكن هذا النوع من ردود الفعل لا يعني على الأرجح الكثير بالنسبة للسعوديين، الذين قد يكونون مهتمّين أكثر بتغيير الانطباع بأنهم قريبون جدًا من روسيا الذي يشكل مصدر قلق بالنسبة لواشنطن.
وتعتبر ديوان أن “دعوة زلينكسي تتعارض مع هذا الانطباع وكذلك تنبّه روسيا من أن إعادة دمج الأسد لا يمنحها مطلق الحرية في المنطقة”.
ويقول الخبير في السياسات السعودية بجامعة برمنغهام عمر كريم إن ذلك يتوافق مع الصورة التي تقدّمها الرياض عن نفسها على أنها “جسر دبلوماسي وربما اقتصادي بين اللاعبين الدوليين المختلفين”.
ويرى أن “دعوة زلينسكي تُظهر أن الرياض لا تريد أن تكون لاعبًا إقليميًا فحسب بل لاعبًا دوليًا وأن تخلق لنفسها مكانة دبلوماسية خاصة في نظام عالميّ متغيّر متعدد الأقطاب”.
الصين على الخط
ودخل الرئيس الصيني شي جينبينغ على خط دعم الدبلوماسية السعودية وتثمين مخرجات القمة العربية حيث عبر عن سعادته لاتخاذ الدول العربية خطوات جديدة على طريق الوحدة والتنمية الذاتية، مع تحقيق انجازات جديدة وذلك في رسالة تهنئة بعث بها شي للقمة حسبما ذكرت اليوم السبت صحيفة”جلوبال تايمز”الصينية.
واكد أن الجامعة العربية ملتزمة منذ فترة طويلة بتقوية العالم العربي من خلال الوحدة وتشجيع السلام والاستقرار والتنمية في الشرق الأوسط ، وقال إنه سعيد أن يري الدول العربية تتخذ خطوات جديدة وتحقق انجازات جديدة على طريق الوحدة وتحسين الذات.
وعبر أيضا عن تقديره للسعودية قائلا إن المملكة، كونها قوة مهمة في عالم متعدد الاقطاب، قدمت اسهامات إيجابية لتعزيز التضامن والتنسيق بين الدول العربية والحفاظ على السلام والاستقرار في الشرق الأوسط.
وأشار إلى الصداقة التقليدية القوية بين بلاده والدول العربية على مدار قرون، وقال إن الشراكة الإستراتيجية بين الجانبين نمت خلال السنوات الأخيرة، لتحقق نتائج مثمرة ، لتضع نموذجا جديدا للتعاون بين دول الجنوب في التعاون وتحقيق فوائد مشتركة.
وتعرف العلاقات السعودية الصينية تطورا حيث ادى الريس الصيني زيارة تاريخية الى الرياض في ديسمبر/كانون الاول الماضي وعقد لقاءات مع قادة خليجيين وعرب ووقع العديد من الاتفاقيات الاقتصادية.
ولعبت بكين دورا هما في عقد الاتفاق السعودي الايراني لاستئناف العلاقات في شهر مارس/اذر الماضي.
وقال الرئيس الصيني أن بلاده مستعدة للعمل مع الدول العربية كي تدفع للأمام روح الصداقة الصينية العربية، ولتطبيق نتائج أول قمة عربية صينية عُقدت في شهر كانون الأول/ديسمبر الماضي، وإقامة شراكة استراتيجية على مستوى أعلي، وفتح صفحة جديدة في الصداقة العربية الصينية.