تقارير

أطفال “نبش الحاويات” .. أعداد متزايدة ومخاطر جسيمة في الأردن.. 35 % من السكان 3.9 مليون فقير في الأردن

قدر تقرير “أطلس أهداف التنمية المستدامة للعام 2023″، عدد الفقراء في الأردن بحوالي 3.980 مليون شخص (زهاء 35 % من السكان)، استنادا إلى معطيات خط الفقر الوطني لكل دولة في العالم، والمحدد للفرد الواحد في الأردن بـ7.9 دولار في اليوم.

وتأتي هذه التقديرات في حال مقارنتها بمجموع سكان المملكة والبالغ قرابة 11.3 مليون نسمة أعلى بنسبة 11 % مقارنة مع تقديرات حكومية سابقة، كانت صدرت على لسان نائب رئيس الوزراء للشوؤن الاقتصادية ناصر الشريدة، وقدر خلالها معدل الفقر للعام 2021، مرحليا في الأردن بـ 24 %.

ووفق المعطيات التي كشفها التقرير، فإن ثلث الأردنيين فقراء، إذ إن خط الفقر للفرد الواحد يقدر بـ168 دينارا شهريا مقارنة مع 100 دينار العام 2018، والمحدد آنذاك بناء على مسح نفقات ودخل الأسر للعام 2017/2018، والصادر عن دائرة الإحصاءات العامة.

وقد يكون للأحداث التي شهدها العالم في السنوات الخمس الماضية من جائحة “كورونا”، والصراع الروسي الأوكراني وما نجم عنه من مد تضخمي أثر على أسعار الغذاء في العالم، دورا واضحا في هذا الارتفاع الملحوظ لمعدلات الفقر محليا، ويبدو ذلك متسقا مع توقعات سابقة للبنك الدولي وتحديدا في العام 2021، توقعت أن يرتفع معدل الفقر الأردني نتيجة تأثيرات “كورونا” بحوالي 11 نقطة، مئوية ليصل إلى ما نسبته 27 %.

وكانت معدلات الفقر في المملكة، سجلت خلال العقدين الماضيين ارتفاعات متتالية، إذ قدر معدل الفقر في العام 2018، بقرابة 15.7 %، مقارنة مع 14.4 % خلال العام 2010، وقياسا بـ13.3 العام 2008، و13 % العام 2006.

ويشار، إلى أن الأردن، احتل المرتبة 78 على مستوى العالم من بين 97 دولة في تصنيف مجلة غلوبال للدول الأكثر فقرا في العام 2023، وجاء في المرتبة العاشرة عربيا من بين 14 دولة عربية، شملها تصنيف المجلة.

“وأطلس أهداف التنمية المستدامة”: هو عبارة عن قاعدة بيانات شاملة ترصد وتسرد تصورات بيانات أهداف التنمية المستدامة العالمية والتي اعتمدتها جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، في العام 2015، ويبلغ عددها 17 هدفا، ومنها هدف القضاء على الفقر، ويستند الأطلس في تصوراته على بيانات مؤشرات التنمية العالمية التابعة للبنك الدولي، إضافة إلى بيانات المنظمات والمؤسسات الدولية والأبحاث.

وبالعودة إلى تفاصيل تقرير أطلس التنمية، فقد أكد التقرير أنه أصبح من الصعب الوصول إلى الهدف الأول من أهداف التنمية المستدامة والمتمثل في إنهاء الفقر بحلول العام 2030، ما لم تنمو أفقر البلدان بمعدلات لم تشهدها من قبل، بعد أن أدت جائحة “كورونا”، إلى زيادة الفقر في العالم.

وزاد عدد من يعيشون في “فقر مدقع”، بنحو 70 مليونا في العام 2020، بارتفاع مقداره نحو 11 % مقارنة مع العام 2019، وتشير التوقعات الحالية، إلى أنه في العام 2030، سيظل قرابة 574 مليون شخص، أي ما يعادل حوالي 7 % من سكان العالم، يعيشون في حالة الفقر المدقع.

وحصر التقرير خط الفقر المدقع لمن يعيشون بأقل من خط الفقر الدولي، والمحدد عند 2.15 % للفرد يوميا.

وتوقع التقرير، أن يؤدي الانتعاش الاقتصادي غير المتكافئ، وارتفاع أسعار المواد الغذائية، والصراع بين بعض أكبر منتجي الأغذية في العالم، إلى توقف التقدم في جهود إنهاء الفقر، الذي شهده العالم في العقود الماضية، إذ انخفض عدد الأشخاص الذين يعيشون في فقر مدقع حول العالم خلال الفترة الزمنية (1990-2019) بنحو 66 %، من 2 مليار إلى حوالي 660 مليونًا على الرغم من زيادة عدد سكان العالم خلال هذه الفترة بما يقارب 2.4 مليار شخص.

كما زاد عدد الأشخاص ذوي الدخل فوق خط الفقر الدولي من 3.3 مليار نسمة إلى 7 مليارات نسمة في تلك الفترة. ونتيجة لذلك، انخفضت نسبة سكان العالم الذين يعيشون في فقر مدقع من حوالي 38 % إلى 8.5.

وأشار التقرير، وفق ما نشرت يومية ” الغد ” إلى أنه في حال تم اعتماد خط الفقر النموذجي للبلدان ذات الدخل المرتفع والمحدد بـ 24.35 دولار لقياس نسب الفقر في كافة دول العالم، سيكون أربعة أخماس سكان العالم فقراء باستخدام هذا المعيار.

قبل إفراغها بواسطة كابسات النفايات تمهيدا لإرسالها لمكب الأكيدر، يحرص الطفل علي 13 عاما من سكان إربد، على نبش أكبر عدد ممكن من الحاويات بحثا عن الخردوات التي يتم فرزها لاحقا وبيعها، في واحد من أسوأ وأخطر أشكال العمل الذي يمكن أن يمارسه أطفال مقيدين بظروف أسرهم الصعبة على حساب صحة اجسادهم ومستقبلهم.  

علي ليس الطفل الوحيد الذي يمتهن هذا العمل الشاق والخطر لمساعدة أسرته الفقيرة، إذ تقدر جمعية حماية الأسرة بإربد أن قرابة ألف طفل بإربد يمتهنون نبش النفايات لجمع الخردوات فيما الرقم في تزايد مع استمرار تراجع الأوضاع المادية للعديد من الأسر. 

اللافت أن علي بدأ هذا العمل الشاق منذ نحو شهر بعد أن ترك التسول على الإشارات الضوئية ليتجنب حملات ملاحقة المتسولين خاصة وانه تعرض للضبط أكثر من مرة.      

يقول علي “التسول عمل ملاحق وجمع الخردة لا أحد يعترض عليه”، متابعا” أنا مجبر على الشغل لأن حال أسرتي صعب ومطلوب مني أن أعمل”. 

ويقول رئيس الجمعية كاظم الكفيري إن عمل الأطفال في جمع الخردوات يحقق مصدر رزق لهم، في ظل عدم قدرة أسرهم على تلبية احتياجاتهم.

وأشار الكفيري إلى أن الأطفال العاملين في هذا القطاع عادة ما يكونون تابعين لأحد الأشخاص أو أحد أفراد أسرهم، لافتا إلى أن عمل هؤلاء الأطفال ينشط في ساعات مبكرة قبل أن تقوم آليات البلدية بتفريغ الحاوية في ساعات متأخرة من الليل.

وأكد أن ظاهرة العمل بجمع الخردوات سواء من الحاويات أو الشوارع باتت تنشط خلال الآونة الأخيرة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة ومن جميع الفئات العمرية، لافتا إلى أن آليات جمع وتحميل الخردوات من عمليات نبش الحاويات تتنوع ما بين عربات صغيرة ومركبات “بك اب”.

ولفت إلى أن هذه المهنة لها الكثير من الأضرار والمخاطر الصحية والمتمثلة بالأمراض الجلدية والهضمية أو التنفسية الناتجة عن استنشاق الروائح الكريهة المنبعثة من نفايات الحاويات، الأمر الذي يتطلب من الجهات المعنية إيجاد مظلة تحمي العاملين في هذا القطاع.

وأوضح أن أجر العامل الطفل لا يتعدى الدينارين في أحسن الظروف، مقابل ساعات عمل طويلة، مبينا أن هناك أطفالا برفقة ابائهم يعملون في هذا القطاع. 

وتتمثل الخردوات التي يتم جمعها وفق الكفيري، بالعلب المعدنية وعلب سوائل التنظيف والبلاستيك والحديد وغيرها مما يمكن بيعه لتجار الخردة، مؤكدا أن أوزان بعض الخردوات لا تتناسب مع جسد الطفل، ما قد يعرضه لمشاكل وأمراض صحية، يتطلب علاجها آلاف الدنانير، في ظل عدم وجود أي شكل من أشكال التأمين الصحي لدى أسر هؤلاء الأطفال.

وكانت دراسة حول الأطفال العاملين في جمع “الخردة”، أوصت بضرورة إيجاد نص قانوني، يتعامل مع هذه الفئة، ويحدد الجهة المسؤولة عنهم، فضلا عن إيجاد تعريف واضح لهم، بكونهم “يحتاجون للحماية مع توفير آليات واضحة لتقديم الخدمات لهم”.

وبحسب الدراسة، التي صدرت عن منظمة إنقاذ الطفل، ومركز المعلومات والبحوث التابع لمؤسسة الملك حسين، فإن “جمع الخردة تعد واحدة من أسوأ أشكال عمل الأطفال”.

وتركز الدراسة على العوامل التي تدفع بالأطفال للانخراط في هذا النوع من العمل، وآلية عملهم، لكنها لا توفر مسحا شاملا لأعداد الأطفال العاملين في مجال فرز النفايات وإعادة تدويرها.

ووفق الدراسة، فإن الأطفال “يعملون في هذا المجال لحاجتهم لمصدر دخل، كون آباء هؤلاء الأطفال ليسوا قادرين على توفير الدخل لكافة أفراد الأسرة”.

ولمواجهة هذه المشكلة، دعت إلى “توفير استجابة كافية، والتركيز على حماية الأطفال، وتطوير آلية عملية على أرض الواقع، وتحقيق تكامل أفضل فيما بين الخدمات الحكومية وغير الحكومية، عبر توسيع قنوات الإحالة لتشمل المزيد من الخدمات للأطفال الأردنيين”. كما دعت إلى إيجاد نظام لإدارة الحالات والإحالة ودمجه ضمن نطاق عمل الموظفين الحكوميين المسؤولين، وتوفير تمويل كاف لضمان تنفيذ المهام المطلوبة لسحب الأطفال من العمالة الاستغلالية بصورة مستدامة.

وحسب دراسة مسحية صادرة عن مركز الدعم الاجتماعي العام 2011، أظهرت أن “نحو 13 % من الأطفال العاملين يمتهنون نبش النفايات”، ورغم أن المادة 31 من قانون الأحداث حددت فئات الأطفال التي تحتاج إلى الرعاية والحماية، وشملت الأطفال الذين يستغلون في أعمال التسول أو أخرى تتصل بالدعارة أو الفسق أو إفساد الخلق، أو خدمة من يقومون بهذه الأعمال أو في أي أعمال غير مشروعة، لكنها لم تشتمل على فئة الأطفال الذين يتم استغلالهم في جمع النفايات.

نبش النفايات بإربد ظاهرة تتمدد لتشمل النساء ممن وجدن انفسهن بلا معيل ولا يمتلكن أي مصدر دخل أو حرفة لكسب الرزق. 

“منى” 38 عاما، تجوب برفقة أحد أبنائها شوارع إربد بواسطة عربة كبيرة تعلق عليها كيسا فارغا، وتبدأ يومها بالتجول بين حاويات القمامة في مناطق وأحياء المدينة بحثا عن النفايات القابلة لإعادة التدوير. 

منى وهو اسم مستعار ترفض قبول أي مساعدات يقدمها لها المارة أثناء مشاهدتها تجر العربة وقد ظهرت عليها علامة الفقر والعوز الشديدين، فيما تصر على كسب رزقها من البحث عن أشياء قابلة للبيع من قبيل علب البلاستيك والمشروبات الغازية والحديد والخبز.

تقول منى إنها اضطرت للعمل بجمع النفايات القابلة للبيع بعد وفاة زوجها الذي كان يعيل أفراد الأسرة المكونة من 5 أشخاص، لافتة انه لا يوجد هناك أي مصدر دخل لأسرتها لتتمكن من الوفاء بالتزاماتها اليومية، ما اضطرها إلى العمل بجمع الخردوات ونبش النفايات القابلة.

وتتابع إنها حاولت البحث عن فرصة عمل بعد وفاة زوجها الذي كان يعمل في قطاع الإنشاءات، إلا أن عدم امتلاكها لأي حرفة او شهادة حال دون إيجاد أي وظيفة في القطاع الخاص براتب يمكن أن يؤمن مصدر دخل لها ولأفراد أسرتها.

وتضيف منى التي رفضت تصويرها أنها تعيش في منزل مستأجر عبارة عن غرفتين وبأجرة شهرية تبلغ 80 دينارا، مؤكدة أنها تبدأ صباحا برفقة احد أبنائها بالبحث عن الخردة في شوارع وأحياء اربد لتحقيق عائد لا يتجاوز 6 دنانير يوميا، هو كل ما يمكن ان تحصله من هذا العمل الشاق.

وتشير إلى أن جشع بعض أصحاب محال الخردة وتخفيضهم لأسعار الخردة التي جمعتها يحول دون تحقيقها مالا إضافيا تتمكن من تسديد أجرة المنزل وشراء الاحتياجات الأساسية لأفراد أسرتها.

أما الأربعيني سالم الذي يعمل بنبش النفايات لجمع الخردوات يقول” استعين بأبنائي للعمل معي خلال عطلة المدارس الصيفية، وذلك لرفع العائد من العمل”.  

ولفت إلى أنه يبيع كل ما يجمعه لمحال الخردة، فيما الأشياء غير القابلة للبيع يتم الاستفادة منها كمواد لوقود مدفأة الحطب خلال فصل الشتاء.

ويضيف سالم الذي يمتلك مركبة قديمة من نوع “بيك أب” أن كل ما يجمع من كرتون وعلب بلاستيكية ومعدنية ينقله عبر مركبته إلى سمسار، مشيرا إلى أن عملية البيع تتم بالكيلو حسب الصنف، مؤكدا أن العمل في هذه المهنة يجني المال وخصوصا وأن النفايات في الحاويات لا تنفذ وعلى مدار العام.

وتتجه جهات حكومية لإنشاء مظلة رسمية لملتقطي النفايات في المملكة، بهدف تنظيم عملهم بصورة قانونية، وصولا لإصدار تعليمات خاصة بهذه الغاية.

وقامت أمانة عمان الكبرى، مؤخرا، بحسب تصريحات رسمية لها، بـ”إنشاء شركة لإدارة النفايات الصلبة، ستكون إحدى مهامها إيجاد مظلة لتنظيم عمل ملتقطي المخلفات وتدريبهم وتأهيلهم، وبالتعاون مع الجهات الدولية، وبالشراكة مع القطاع الخاص”.

وستصدر الأمانة، ووزارة البيئة “تعليمات لملتقطي النفايات، بعد أن يتم إجراء دراسة مسحية للاستدلال على الأسباب التي دفعتهم لامتهان هذا العمل”.

وكانت مسودة أولية لورقة سياسات محلية، كشفت عن “وجود سبعة آلاف جامع للنفايات، يعملون بصورة غير رسمية في محافظات عمان والزرقاء وإربد، من بينهم 22 % لاجئ سوري”.

ويبلغ عدد ملتقطي النفايات في العاصمة عمان نحو أربعة آلاف، سيتم تنظيم عملهم وفق استراتيجيات الأمانة، وتحت مظلة محددة، ووفق شروط وتعليمات خاصة ستصدر لهذه الغاية

ويضم هذا القطاع ما نسبته 7 % من النساء، يليهن جامعو النفايات من القاصرين والأطفال، في وقت يحظى فيه قطاع إدارة النفايات بأهمية كبرى ضمن الخطط الوطنية الاستراتيجية، بحسب مسودة ورقة السياسة، التي نشرتها “الغد” سابقا.

وتعد زيادة نسبة معالجة النفايات، وإعادة تدويرها، من أسس النمو الأخضر المستدام الذي ينتهجه الأردن في الخطة الوطنية المعنية بهذا الشأن.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى