أحمد الجارالله : عين العقل ما أقدمت عليه السعودية
طوال 75 عاماً لم يربح العرب أي حرب، وكانوا طوال ذلك التاريخ أفشل المحامين لأعدل قضية، وهي الفلسطينية، ولم يأخذوا بكلام بعض القادة التاريخيين الذين أدركوا منذ البدء أن معالجة تلك المسألة لا يمكن أن تكون بالشعارات، ولا بالمواجهة، لأن ميزان القوى لم يكن لمصلحتهم.
لذا، رفضوا قرار التقسيم عام 1947، وذهبوا إلى الحرب، رغم أن الملك الراحل عبدالعزيز بن سعود، رحمه الله، كان أول من نادى بدعم أهل الأرض لأنهم أدرى ببلدهم، وطالب بعدم دخول العرب الحرب عام 1948.
لكن الحكومات العربية، وقتذاك، أخذتها الحماسة، فسعت إلى الحرب التي خسرتها، وعلى إثرها تشتّت الشعب الفلسطيني في جهات الأرض الأربع، وظهر في تلك الأثناء من تجار النزوح والمخيمات، فكانوا يسعون إلى تسعير الحرب بالشعارات من الفنادق لزيادة ثروتهم، بينما هجر المقاتلون الخنادق.
لم يقبل العرب نصيحة الحبيب بورقيبة عام 1965 حين قال في القدس: “أبى العرب الحل المنقوص، ورفضوا التقسيم، ثم أصابهم الندم، وأخذوا يرددون: ليتنا قبِلنا بذلك الحل، إذاً لكنا في حالة أفضل من التي نحن عليها”، وهو ما أثار عليه العرب بقيادة عبدالناصر الذي كان أول المستفيدين من القضية حين جعلها مطية لحركته الانقلابية عام 1952.
صحيح أن العرب خاضوا أربع حروب مع إسرائيل، إلا أن واحدة منها فقط كانت كافية ليدركوا أن العالم كله ضدهم، لأن ما تركه المخطط النازي بقيادة هتلر، جعل يهود أوروبا الولد المدلل، خصوصا بعد سيطرتهم على المال والإعلام، فيما العرب لم تكن لديهم المقدرة على مجاراة هذا الوضع، لافتقادهم التضامن.
كانت بعض القيادات المسماة “ثورية” تشحن الناس ضد كل من يخالفها الرأي، وتتهمه بالخيانة، وبذلك سيطرت بالغريزة الحماسية على الشعوب، حتى جاءت “حرب العبور” التي مثلت منعطفاً، حين أدرك الرئيس الراحل أنور السادات، رحمه الله، أن الحل ليس بالحرب، رغم انتصاره فيها، إنما بالعودة إلى سياسة “خذ وطالب”.
ولهذا، خاضت مصر مفاوضات صعبة، وأدرك العرب أن ما حققتها مفاوضات “كامب ديفيد”، من عودة سيناء وقناة السويس وشرم الشيخ وطابا، أهم بكثير من الحروب التي خسر فيها العرب مساحات أراض من فلسطين أو دول المواجهة.
لهذا، جاءت مبادرة الملك فهد عام 1981 في قمة فاس لتكون حجر الزاوية في حل القضية الفلسطينية، وهي قامت على مبدأ السعي إلى السلام، والإثبات للعالم أجمع أن الساعين إلى الحرب هم الاسرائيليون، الذين رفضوا تلك المبادرة.
كذلك في عام 2002 في قمة بيروت، تطورت هذه المبادرة في خطة الملك عبدالله بن عبدالعزيز، لكن كما كان صدى الأولى كانت ردة الفعل العربية الرافضة لأي حل غير ما سمي “الكفاح المسلح”، الذي تحول منذ العام 1965 إلى عمليات ومناوشات بين الفلسطينيين، وخطف طائرات وقتل في مختلف دول العالم، وهو ما أسس لما يعرف بـ”الإرهاب العربي”، حينذاك.
هذا السرد المختصر ضرورة كي يدرك العرب أن ما حققتها اتفاقيات التطبيع الإماراتية والبحرينية والمغربية، والعلاقات بين اسرائيل وقطر وسلطنة عمان هو الطريق الصحيح الذي يمنح الفلسطينيين حقوقهم، أما التكسب الشعاراتي لدول الممانعة، وأذناب إيران، ليس أكثر من ذر للرماد في العيون، لأن هناك أهدافا خبيثة خلف إراقة الدماء العربية، لا علاقة لها بفلسطين.
لهذا، اليوم حين تتحدث التقارير عن مفاوضات بين الرياض وتل أبيب من أجل التطبيع برعاية أميركية، إن صدقت المعلومات، نقول إن هذا عين العقل، فدول الخليج، وفي مقدمها السعودية، أول من ساند الفلسطينيين، وهي إلى اليوم تدفع الأثمان الباهظة لقاء ذلك، بينما تجار القضية ينفقون ما يحصلون عليه من مساعدات على موائد القمار، وهذا بالطبع يدل على أن هؤلاء لا يسعون إلى تحرير أرضهم!