أحمد الجارالله: محمد بن سلمان… اعقلها وتوكَّل
سمو الأمير محمد بن سلمان
اعقلها وتوكَّل، نعم اعقلها وتوكَّل.
إنَّ القضيَّة الفلسطينيَّة لم تعد ملفاً عربياً بعد توقيع اتفاقات أوسلو بين منظمة التحرير وإسرائيل، بل أصبحت شأناً إسرائيلياً– فلسطينياً، وبالتالي فإنَّ الضرورة تُحتِّم على الجميع أن ينظروا إلى واقعهم، مصالحهم، وليس التمسُّك بالشعارات، التي هي مجرد أضغاث أحلام.
لِنَقُلْها صريحةً: إنَّ شعوب مجلس التعاون لدول الخليج العربية لم تعد تقبل تقديم مصالح الفلسطينيين على شؤونها؛ لأنها عانت الأمرّين من الابتزاز المالي والسياسي، وتأخر التنمية في سبيل شعار “تحرير فلسطين”، الذي بدأ أصحاب القضية التخلي عنه، ولم تعد تقبل مبررات ممجوجة عن ضرورة “دولة من البحر إلى النهر”، فيما هناك تنسيق أمني وسياسي بين السلطة في رام الله وتل أبيب، بل إنهم يطالبون اليوم بقدس غير المدينة القديمة التاريخية.
نعم، كشعوب لسنا معنيين أبداً بما يحدث في غزة والضفة الغربية؛ لأنه أصبح مصدر استثمار سياسي لمن يدفع أكثر، ولعبة إيرانية- إسرائيلية بأيدٍ فلسطينية، لهذا يُقبِّل قادة غزة أيدي المرشد الإيراني؛ لأنه أصبح ولي نعمتهم، في المقابل يستغلون المساعدات المقدمة من دول الخليج العربية لبناء القصور، وامتلاكها في موناكو، وغيرها من المدن الأوروبية، وينفقون الأموال الطائلة على موائد القمار؛ لأنهم على قناعة بأن “مال عمك ما يهمك”.
سمو الأمير
حين بدأت القضية في أربعينات القرن الماضي، قال المغفور له، جدك الملك عبدالعزيز، رحمه الله، للعرب: اتركوا الشعب الفلسطيني يقاتل، وتدعمه الدول العربية؛ لأنه هو صاحب الأرض، لكن في العام 1948 جيشت الدول العربية لمقاومة اليهود، بدلاً من العمل بمقولة جدك، فانهزموا؛ لأنهم لا يعرفون الأرض، وليس لديهم أسلحة، وكل دولة كانت تبحث عن مكاسب خاصة بها.
اليوم إسرائيل أصبحت أمراً واقعاً، وساندتها الدول الأوروبية والغرب، ودعمت بالسلاح والمال، وكان لدى قادتها خطة واضحة، وهي استرداد أرض الأجداد، كما زعموا، فيما أهل الأرض تخلوا حين نزحوا إلى الشتات، وناموا عقوداً على الوعود بالعودة خلال شهر أو شهرين، واليوم بات عمر الوعد 75 عاماً، وولدت أجيال في الشتات لا تعرف فلسطين إلا بالشعارات والأغاني.
في المقابل أصبح سائر أبوات المنظمة من الأثرياء الذين يعيشون كالملوك، وأولادهم باتوا رجال أعمال، ولديهم مشاريعهم، وأعراسهم تكلف الملايين، وكلها من أموال التبرعات العربية، خصوصاً الخليجية، فيما لم ننل غير الشتائم، والتهديدات.
سمو الأمير
في ستينات القرن الماضي، كان ياسر عرفات يعمل ويعيش في الكويت، وهي دعمت المنظمة بكل شيء، وأمنت لها الغطاء السياسي العربي، وعندما اندلعت “أحداث أيلول” عام 1970، سافر المغفور له، الشيخ سعد العبدلله إلى الأردن، واصطحب عرفات بطائرته الخاصة إلى الكويت، وكان ذلك عبر حيلة كي لا يقتل في الأردن.
وكان أيضاً المغفور له، الشيخ جابر الأحمد، رحمه الله، الداعم الأول لعرفات والفلسطينيين، وكانوا يتوظفون في دوائر الكويت، كأنهم كويتيون، فماذا كان رد فعل عرفات حين غزا صدام حسين الكويت؟
طالب يومها بإلقاء القبض على الأمير الشيخ جابر الأحمد، وإرغامه على توقيع اعتراف بالتنازال عن حكم الكويت، وحرض يومها على أن “طريق القدس تمر من الكويت”، وعاثت المنظمات إفساداً في الأرض، من قتل وجرائم منكرة ضد الكويتيين.
سمو الأمير
منذ العام 1967 والمنظمات الفلسطينية تفرغت لإرهاب العرب، فقتلت الكثير منهم، وخطفت الطائرات، ومارست الإرهاب تحت شعار “تذكير العالم بالقضية”.
كما أن بعض الزعماء العرب استغلوها لمآربهم، بدءاً من مصر التي انقلب بعض الضباط على الملك، وحل مكانه 11 ملكاً هم مجلس قيادة الثورة، فيما في العراق سحل الملك الشاب فيصل، وقادة الدولة، أيضاً بالشعار نفسه.
وبدلاً من توجيه البندقية إلى الإسرائيليين، أصبحت وجهتها الأردن ولبنان، وقتلوا عشرات آلاف الناس.
سمو الأمير
نسأل: ماذا نالنا من “الكضية” غير الويلات، فلقد أصحبت إيران تحكم أربع عواصم عربية، وساعدها في ذلك المستثمرون بالدم العربي تحت شعار “القضية الفلسطينية”، الذين سفكوا الدماء في اليمن والعراق ولبنان وسورية، ومارسوا الإهارب ضد دول الخليج، بدءاً من اغتيال وزير الخارجية الإماراتي سيف غباش إلى تفجير ميناء بيروت.
لم نلقَ من “الكضية” غير الشؤم، وإلى اليوم هناك من يستثمر فيها لمآرب شخصية، لهذا علينا مقاربة الأمور بالطريقة الصحيحة، ونرى كيف فهم القائد العربي الفذ، المغفور له، أنور السادات، أبعاد هذا الملف، وعمل على تحرير سيناء وقناة السويس وشرم الشيخ وطابا، من دون حرب، إنما بالمفاوضات؛ لأن العالم كله يُساند إسرائيل، جرّاء الأعمال الصبيانية الإرهابية التي مارسها الفلسطينيون أنفسهم.
سمو الأمير محمد بن سلمان
ليس عليك أكثر من النظر إلى الجماعات الفلسطينية، ولمن باعت كل منها شعار “تحرير فلسطين”، وما الفوائد والمنافع التي يحصل عليها قادتها، لتعرف أن هؤلاء تناسوا منذ عقود بلدهم، وأصبحت لهم مآرب أخرى غيرها، ولتدرك أن العالم لن ينتظر الضعفاء، والفصائل الفلسطينية التي وصل عددها إلى 20 تعيش على الابتزاز السياسي، ومن لا يخضع لها تغتاله، أو تشوه صورته، أو يشتم، وفي الوقت نفسه يعيشون حياة رغيدة في المدن الإسرائيلية، ولهم شركاتهم في إسرائيل.
سمو الأمير
اعذرني، فأنا واحد من الخليجيين الذين عايشوا كل المشكلات التي تسببت بها تلك المنظمات، ففيما كنا نهتف لفلسطين، كانوا هم يخططون لقتلنا، وبينما كنا نقطع المال عن أنفسنا لهم، كانوا ينفقونه على تخريب بلادنا، ويُكبِّرون كلما أطلق صدام حسين صاروخاً على الكويت والسعودية.
سمو الأمير
استمع إلى خطباء الجمعة في غزة والضفة الغربية، والشتائم التي تكال فيها إلى آل سعود، ووالدك، وإليك شخصياً، وإلى كل شعوب الخليج.
إن إسرائيل لم ترتكب عشرة في المئة من الجرائم التي ارتكبتها المنظمات الفلسطينية ضدنا، لهذا نقول باسم معظم شعوب الخليج العربية: اعقلها وتوكَّل.
*السياسه