د. سالم الكتبي: سلوك النظام الإيراني: واقعية أم تغيير؟
في ذكرى وفاة مهسا أميني، تابعت بعض التقارير الإعلامية الغربية التي تتحدث عن تحول نسبي في سياسات النظام الإيراني تجاه تطبيق قواعد ارتداء الحجاب.
ونقل بعضها مشاهد وصفتها أنها نوع من التمرد المعلن على شرطة الأخلاق، التي باتت تتعرض لتحديات كثير في أداء مهماتها من كثير من النساء، اللاتي يتجولن في شوارع طهران من دون حجاب، ويرتدين الجينز الممزق.
هذا “التمرد الجريء” من الايرانيات يأتي بعد عام من وفاة مهسا أميني، أثناء احتجازها من جانب شرطة الأخلاق التي وجهت لها تهمة عدم ارتداء الحجاب، بشكل لائق.
انتهت الاحتجاجات الشعبية في إيران، لكن الغضب لم يتراجع تماما، وبقيت تحت الرماد، وما ترصده التقارير الإعلامية من سلوكيات تتحدى القوانين هي حد أدنى، يسمح به النظام للتنفيس عن الغضب، وترويضها، والرهان على عنصر الوقت في تحقيق ذلك.
لكن من الصعب فعلياً القول إن وجود نسبة ما من النساء في شتى أنحاء إيران لا يلتزمن بارتداء الحجاب، يعكس تراجع قبضة النظام، أو تخليه عن قناعاته الأيديولوجية بشأن قضية الحجاب، أو غيره.
لا شك أن الاحتجاجات الشعبية واسعة النطاق التي شهدتها إيران عقب مقتل أميني، وضعت النظام الإيراني في موقف حرج دولياً، وأضعفت قدرته على تحدي الضغوط الغربية، بل أفرزت مدخلاً جديداً للضغط على النظام. لكن هذا كله لم يدفع النظام لتغيير السياسات، بل اقتصر الأمر على نوع من المهادنة تفادياً لاثارة احتجاجات جديدة، لكن القوانين لا تزال قائمة، وتؤكد الشرطة الإيرانية إنها صادرت أكثر من 400 سيارة في محافظة واحدة هي أذربيجان الشرقية، بسبب مخالفات تتعلق بعدم ارتداء الحجاب. كما يدرس مجلس الشورى الايراني مشروع قانون يخص “الحجاب والعفة”، يفرض غرامات مالية كبيرة على النساء غير المحجبات، فضلاً عن عقوبات تصل إلى السجن نحو عشر سنوات، خصوصاً على من يخالفن قوانين ارتداء الحجاب بشكل مستمر، أو يحرضن آخريات على فعل ذلك.
معارضة ارتداء الحجاب لها رمزية تتعلق برفض القوانين التي وضعها النظام منذ أكثر من أربعة عقود، لكن الحاصل أن كل هذه الضغوط الشعبية لم تنتج تغيراً موازياً في قناعات النظام، لأنها بالأساس قناعات أيديولوجية، تمثل فلسفة النظام وجوهر فكره، وهي أمور لا يمكن أن تتغير بمرور الوقت لا سيما مع الجيل الحاكم نفسه، وإن كان من الوارد أن تشهد إعادة نظر بتغير، أو تطور الأجيال الحاكمة، وهي مسألة لم يقم عليها أي دليل في الحالة الإيرانية، التي لا تزال يتنافس شخوصها على تبني “المزاج الثوري” والترويج له، واعتبار أي معارض أو منتقد له معاد لمصلحة النظا،م بما يقود إلى تحييده، او اقصائه وتهميشه عن مركز السلطة.
بينما يتم التعامل بطرق أخرى أكثر عدائية مع من يعتبرهم قادة النظام أكثر معارضة للقيم الثورية، مثلما حدث مع الكثير من القيادات التي توصف بالإصلاحية.
المشهد الاحتجاجي في إيران بعامة ليس طارئاً ولا عابراً في علاقة النظام بالشعب، وهي علاقة تتسم بالاحتقان والتأزم في معظم فتراتها، وهذا مايفسر تكرار الاحتجاجات الشعبية التي يحيلها النظام عادة إلى “مخطط خارجي”، وجهات إقليمية وأطراف ممولة وغير ذلك، وهذه العلاقة تعكسها مؤشرات هجرة الايرانيين التي ترتفع من عاماً لآخر حيث كانت 1.45% منذ ثلاثة عقود، أي في ذورة الصخب الثوري والتشدد في تطبيق الأحكام والعقوبات، وارتفعت إلى 2.229% في عام 2019، حتى أصبحت إيران واحدة من الدول الطاردة لسكانها، لا سيما النخب في مختلف المجالات.
غالبية الشعب في حالة احتجاجية مستمرة معلنة، أو مستترة، ضد سياسات النظام، وهناك أجيال جديدة غاضبة تبدو أشد حدة وعنفاً في مواجهة قبضة السلطة، وتستطيع التحايل على إجراءات القمع والعزلة الافتراضية.
لكن النظام يدرك جيداً أنه من دون دعم خارجي لا تستطيع أي احتجاجات داخلية إطاحته، لهذا يبدو الرهان على حدوث تغير في القناعات والأفكار مسألة مشكوك في صحتها.
لا شك أن التغيير ليس مستبعداً بالمطلق في الفكر الإيراني، لكنه يواجه عقبات صعبة للغاية، وهنا نتذكر التغيير الملموس في السياسات الإيرانية حيال دول الجوار، وهو تغيير سياسي براغماتي ادت فيه السيناريوهات التي روجت لتحالفات إقليمية تستهدف إيران دوراً ما، لكنه يبقى تغييراً لا يمكن انكاره حتى لو كان مدفوعاً ببراغماتية التماهي مع مصالح النظام، ورغبته في حصد العوائد الستراتيجية المتوقعة للتعاون مع جواره الاقليمي.
المؤكد أن مقتضيات الأمن الاقليمي تتطلب وجود علاقات طبيعية بين إيران وجوارها الاقليمي، ولا اعتقد أن هناك طرفا ما يعادي تقدم إيران وتطورها، بل العكس صحيح تماماً، فإيران مستقرة متقدمة اقتصادياً وتنموياً هي إضافة نوعية مفيدة إقليمياً، وذخيرة وعنصر استقرار جوهري لمنطقة الشرق الأوسط، شريطة وجود علاقات طبيعية، أو حتى غير عدائية بينها وبين الجميع من دون استثناء.
كاتب اماراتي
*السياسه