أحمد الصراف : «حصان طروادة» غزة
لا أعلم على ما ستنتهي مغامرة حماس الأخيرة، وإن كنت أتمنى أن ينتهي الحال بإسرائيل أن تقر بالأمر الواقع وأن تقبل بحل الدولتين، فمن المستحيل القضاء على تطلعات وآمال وأحلام شعب كامل، بملايينه الثمانية أو أكثر، وحقهم في أن يعيشوا للأبد دون حصار وقتل وتهجير وتشريد!
بالأمس غردت، باللغتين العربية والإنكليزية:
أنا أكره حماس، ولا أؤيد عملياتها العسكرية، وأكره خطف الأبرياء، وأدين بشدة ما فعلته في الأيام الثلاثة الماضية.
كما أدين في الوقت نفسه، بنفس القوة، الإجرام الإسرائيلي، وما اقترفته عصاباتهم وجيشهم بحق الشعب الفلسطيني، من قتل وتشريد وتعذيب منذ 27740 يوما… الماضية.
***
لا أزال على موقفي من حماس، ومن تخوفي من مخططات الإخوان المسلمين، وما يمثلونه من خطر. كما لا يمكنني نسيان الموقف الفلسطيني الرسمي السافل من قضية وطني، يوم وقعنا تحت الاحتلال الصدامي الحقير، على الرغم من أننا كنا أكثر من ساعد الفلسطينيين، رسميا وشعبيا، والأكثر إيمانا بقضيتهم، لكني كإنسان وكليبرالي، لا يمكنني، بعد 33 عاما أن أحتفظ بكل ذلك الحقد في نفسي وقلبي، خاصة أن لا أحد بإمكانه الجزم بأن «كل» الشعب الفلسطيني كان ضد قضية تحررنا، أو أنهم كانوا متعاطفين مع صدام. وحتى لو افترضنا أنهم كانوا كذلك، وهو حتما غير صحيح، فما علاقة ذلك بحقهم في العودة لوطنهم، ونيل استقلالهم وكرامتهم، وحقهم في العيش بسلام مع بقية دول المنطقة؟ فأنا معهم مثلما أنا مع الحق الأوكراني في الدفاع عن وطنه!
***
أصر عشرات «المعلقين والمحللين»، بارزين ومغمورين، على وجود مؤامرة تفسر الطريقة التي استطاع فيها فلسطينيو حماس اقتحام حدود إسرائيل المنيعة، ودخول بيوتهم، وقتل المئات وأخذ العشرات أسرى، في الوقت الذي يستحيل فيه على طير صغير، اختراق الحدود أو الاجواء دون أن تلحظه آلاف من كاميرات المراقبة والمجسات، وعيون المدنيين والعسكريين، هذا غير الموانع المختلفة الأخرى.
كان تفسير هؤلاء المحللين مضحكا في البداية، ثم أصبح مثيرا للشفقة، ومع تزايد أعدادهم أصبحوا مثيرين للغثيان.
ما يلمح له هؤلاء يعني أن الإسرائيليين، و«حلفاءهم» من حماس، اجتمعوا واتفقوا على أن تقوم إسرائيل بتعطيل كل أجهزة المراقبة، وتزيل كل الموانع الحدودية بين الطرفين، ليقوم المسلحون الفلسطينيون بدخول المدن الإسرائيلية، وقتل المئات من اليهود، وخطف العشرات، وبينهم مواطنون أميركيون، لتقوم بعدها القوات الإسرائيلية بملاحقتهم وقتل المئات منهم، ثم تعلن بعدها إسرائيل الحرب على قطاع غزة وتستدعي 300 ألف من جنود الاحتياط، وتتوقف الحياة في كل الدولة، وتتكلف يوميا أكثر من مليار دولار نتيجة التعبئة الشاملة، ثم لتبدأ الطائرات الإسرائيلية بدك المباني والبيوت والخدمات في غزة، دون تمييز، وتقتل آلاف الغزاويين، بعد قطع الماء والكهرباء عنهم، وتمنع دخول الغذاء والدواء والوقود لهم، تنفيذا للاتفاق المبرم، ولكي يفقد الرئيس الأميركي بالتالي أعصابه، ويطالب حماس بحزم بإطلاق سراح الأسرى، وخصوصا الأميركيين منهم (؟؟!!)
الغريب أن كل المؤمنين بهذا الهراء لم يقدموا سببا معقولا لاتفاق الطرفين على قتل بعضهما لبعض. كما لم يتساءل أي منهم عن سبب عدم وجود إسرائيلي واحد يكرر نفس إدعاءاتهم، بالرغم من أن المعنيين بمهام مراقبة الحدود، والعاملين في أجهزة المخابرات لا يقلون عن خمسين ألفا؟!
كما غاب عن بال رافضي تصديق الاختراق الغزاوي للحدود الإسرائيلية، أن التاريخ، منذ أيام طروادة، مليء بمثل هذه القصص.
يقول الكاتب الإسرائيلي المرموق «نهيميا شتراسلر» في «هآرتس»، (10 / 10 / 2023): إن هجوم حماس المفاجئ هو أسوأ فشل في تاريخ البلاد، وأكثر خطورة حتى من فشل يوم الغفران. وكانت المفاجأة أكبر، والإهمال أفظع، والضربة المعنوية أسوأ، والفوضى أكثر جنونا، والصدمة أقوى، وعدد القتلى من المدنيين هو الأعلى على الإطلاق، وعلى نتانياهو الاستقالة!
*القبس