جعفر سلمان: فلسطين السير في الطريق الدائري
فلسطين كقضية هي قضية حق (حقيقة لن يختلف حولها أحد هنا ولا حتى الإسرائيليون أنفسهم رغم نكران عاطفتهم لها)
إسرائيل ظالمة ومتجبرة وواقعها باطل (حقيقة لا ينكرها أيضًا أحد ولا حتى الإسرائيليون أنفسهم الذين يقرون بها ويبررونها)
إسرائيل قائمة كدولة عصرية وهي متحكمة في كل شيء وهي صاحبة علاقات وتحالفات دولية كبيرة جداً تضمن بقاءها وهذا واقع (حقيقة يعرفها الغالب الأعم بعقولهم وينكرها أكثرنا بعاطفتهم)
انطلاقًا من الحقائق أعلاه تبرز أسئلة مهمة من قبيل: ما العمل تجاه هذه القضية؟ كيف نتعامل مع هذا الواقع؟ هل نكرانه سيفيد؟ هل التصرف معه وكأننا لانزال في العام 1948 سيفيد؟ هل الحلول كلها تتوقف عند الحلول العسكرية فقط؟ وهل نحن أساسًا قادرين حاليا على الحلول العسكرية؟
أعتقد وهذا رأي شخصي، أن مشكلتنا الأساس في التعامل مع هذه القضية هي أننا لانزال نفكر ونحسب الأمور وكأننا نعيش في الستينات والسبعينات، لانزال نقارب القضية من باب أبيض وأسود فقط، ولانزال نرى الحل في أن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة فقط.
وهذه النظرة لا تصلح (على أقل تقدير) للتعامل مع واقع أصبح لا يمت بصلة للواقع القائم حينها عندما كانت هذه المقاربة هي السائدة، هذا لو افترضنا أنها كانت النظرة الصحيحة للتعامل مع الأمور حينها.
في السابع من أكتوبر، استيقظت على المفاجأة، حالي في ذلك حال كل سكان العالم، مقاتلي حماس في مستوطنات الغلاف، ولا توجد أي مقاومة إسرائيلية تذكر، مع عشرات من مقاطع الفيديو التي كانت تدل على سيطرة العاطفة وغياب المنطق، مقطع لعجوز إسرائيلية يُطاف بها في غزة، آخر لفتاة تجمعت الدماء حول أسفل جسدها وهي تُشد من شعرها، طفل إسرائيلي محاط بأطفال فلسطينيين يضربونه وهم يطلبون منه مناداة أمه، جثث إسرائيليين تتعرض للتمثيل..إلخ.
حينها أدركت أن الفلسطينيين خسروا معركة الإعلام قبل أن تبدأ حتى، ولكن السؤال الأكثر إلحاحا كان: كيف ستحتفظ حماس بالمستوطنات المحررة؟ بل هل كان الحمساوية يفكرون أساسُا في هذا الاحتمال؟ وإن لم يكن هذا السيناريو الخيالي قائم في عقولهم، ماذا كان الهدف؟ هل كان وضع الإسرائيليين في صدمة؟ وإن كان الهدف كذلك، ماذا بعد الصدمة؟
والنتيجة: نجحت إسرائيل في استغلال مقاطع فيديو حماس، وجلبت لنفسها تعاطف دولي لم تستطع الحصول عليه طيلة تاريخها، بل ووضعت جميع الهيئات والشخصيات الدولية الداعمة للفلسطينيين في موقف محرج اضطروا معه أن يقروا بحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها.
وها هي تتجاوز الصدمة، منها انطلقت في حملة إبادة تجاه سكان غزة بالمجمل، حمساوية وغير حمساوية، نساء وأطفال ورجال، حملة لا يبدو أنها ستبقي حجر على حجر في القطاع، حملة سترجع القطاع عشرات السنين للخلف، حملة ستردع حماس وغير حماس لسنوات قادمة، حملة تعيد الأمور للسير في تلك الدائرة المقيتة التي بدأت بها النكبة الفلسطينية، دائرة ينتهي السير فيها دائماً إلى نقطة البداية.
وهنا أعود للسؤال المهم: هل آن الأوان للتوقف عن السير في تلك الدائرة والبدء في التفكير العقلاني البراغماتي لإيجاد حل نهائي لتلك القضية؟ ألم يحن الوقت للتوقف عن انتهاج نفس الأساليب في مقاربتنا للمشكلة والتي لم تأت بالحل منذ العام 1948 إلى اليوم؟
سؤال أخاطب به العقول رغم قناعتي أن القلوب ستغضب منه، سؤال أتمنى لو نتوقف للحظة لنتأمل فيه، سؤال أتمنى أن يجد صدى عندما تتوقف الحملة التي تمارسها إسرائيل حاليًا وينقشع غبار المعركة.
*الايام