رأي في الحدث

حميد قرمان : لن أؤيد حماس..

أعلم أن العنوان سيكون صادما، خاصة في هذا الظرف السياسي، والحالة الشعبية العربية المؤيدة لما قامت به حركة حماس من هجوم على قواعد عسكرية ومستوطنات وخطفها لأسرى إسرائيليين، وأعلم أن قلة قليلة تجرؤ على التصريح برأيها غير آبهة بما ستلقاه من شتم وهجوم غوغائي بسبب رأي تتبناه وتجاهر به، لذلك سأمتلك الشجاعة في هذا الظرف الراهن متحملا ما سيقال عني، وسأعلنها: لن أؤيد حركة حماس، بل وأرى فيما فعلت حمقا وطنيا وسياسيا يدفع ثمنه أبناء الشعب الفلسطيني فقط.

ولكي تبقى الأمور في نصابها، هذا لا يبرر إجرام إسرائيل وعدوانها على الشعب الفلسطيني فهي العدو وهي احتلال. لكنْ، أنا الفلسطيني لن أؤيد حماس. ولي أسبابي التي أسردها في هذا المقال:

أولا: تصر حركة حماس -بعد أن زجت بالشعب الفلسطيني في خمس حروب على قطاع غزة من عدو فاشي متطرف- على التفرد بقرار السلم والحرب بناءً على أجندات إقليمية لا ناقة للشعب الفلسطيني فيها ولا جمل. ولكي أكون مباشرا في طرحي السياسي بهذه النقطة أقول إن هذه الحرب هي حرب وكالة بين إسرائيل وإيران اللتين تحاربان بدماء الشعب الفلسطيني، فلا دم أغلى من الدم الفلسطيني في المنطقة بل وفي العالم بأسره، لكي يسكب هدرا أمام معابد السياسة الإيرانية والإسرائيلية والأميركية.

ثانيا: تعمد حركة حماس من خلال تضخيم ذاتها وقدراتها المحدودة، وبترويج إعلامي إخواني خارجي، إلى تصوير الحرب بين كيانين متكافئين، في تحليلات مبالغ فيها سياسيا وعسكريا، وهو ما لا يمثل الرواية الفلسطينية الحقيقية -المتمثلة في أننا شعب أعزل يرزح تحت احتلال غاشم استيطاني وأرعن- فانقلبت الصورة بفضل الدعاية الإسرائيلية لنصبح بين عشية وضحاها شعبا إرهابيا لا إنسانية له، تدينه دول العالم وتدعم المجرم الحقيقي بأقوى الأسلحة والتقنيات العسكرية الحديثة.

ثالثا: منحت حركة حماس طوق النجاة لإسرائيل بتوحيدها مجددا خلف قضية قومية؛ فبعد حالة الانقسام السياسي في الشارع الإسرائيلي بسبب قوانين وسياسات بنيامين نتنياهو ورعاعه المتطرفين، استغل نتنياهو هجوم عناصر حماس بعد أن عاثوا قتلا وأسرا داخل المستوطنات والمعسكرات الإسرائيلية، ليقود حملة دولية عنوانها الأبرز القضاء على حماس الداعشية في غزة، محققا الدعم السياسي والعسكري الذي سيوظفه في إنقاذ نفسه سياسيا من خلال الإمعان في إجرامه وحربه الشرسة ضد أهالي القطاع الأبرياء الذين تركتهم حماس بلا أدنى مقومات الصمود، وهذا ينقلني إلى النقطة التالية.

رابعا: تعلن حركة حماس بتبجح أن ما يسمى “طوفان الأقصى” لم يكن وليد لحظته، بل هو نتاج سنوات من العمل والتخطيط، ولم يعملوا أو يخططوا لإغاثة الشعب وتأمينه. فأين هي مقومات الصمود للشعب الأعزل من أدوية وطعام وشراب؟ لماذا لم يتم بناء وتخزين ما يكفي الشعب لشهر أو شهرين؟ ولا أحد يتحجج بأسطوانة الحصار المشروخة. فمن استطاع إدخال المواد لبناء منظومته العسكرية والصاروخية يستطيع إدخال الأدوية والمواد الغذائية وتخزينها في أماكن متعددة ليعزز صمود الشعب الذي تركته قيادة حماس وحيدا يعاني ويلات الحرب الآن كما عاناها سابقا.

خامسا: أين يحيى السنوار قائد حماس في غزة؟ لماذا لم يخرج ويعلن عن العملية بذاته؟ لماذا لم يَصدر إلى حد الآن تصريح له عما قامت به حركة حماس؟ سمعنا عن الخلافات بين تيارات حماس وتوجهاتها في التماهي مع الأجندات الإيرانية في المنطقة، فهل تمت تصفية يحيى السنوار قبل العملية لضمان تنفيذ العملية، ليُعلن بعد انتهاء الحرب عن اغتياله؟ وهل يتم اغتيال القياديين المقربين إليه من خلال تسريب مواقعهم وأماكن تواجدهم لضمان القضاء على تياره في غزة خلال الحرب الدائرة؟

كلها أسئلة في رسم الإجابة في الأيام المقبلة.

سادسا: لا أثق بالأدبيات السياسية لحركة حماس الإخوانية، التي تسعى لأرض تقيم عليها إمارة تكون منطلقا لتحقيق رؤى حسن البنا وسيد قطب، فمن يتكهن بقبول حماس لصيغ تفاوضية سياسية أقل بكثير من ثوابت المشروع السياسي الفلسطيني الساعي لتكريس دولة على حدود الرابع من يونيو – حزيران عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وهي التي قبلت سابقا بـ”تفاهمات حياتية” من حكومات إسرائيلية كان على رأسها بنيامين نتنياهو لتعزز سلطة الأمر الواقع التي فرضتها بقوة السلاح إبان انقلابها في قطاع غزة.

ما زالت في جعبتي أسباب عديدة لعدم تأييدي حركة حماس وسياساتها في المطلق. لكن المعضلة الحقيقية تكمن في أن الحرب لم تنته بعد وأصبحت حركة حماس تتصرف وكأنها منتصرة، بل أصبحنا نسمع أصواتا إخوانية تطالب حماس بالانقلاب على النظام السياسي الفلسطيني لكونها الأحق بتمثيل الشعب الفلسطيني، في تجاوز لمنظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، بل تجاوزت الشعب الفلسطيني نفسه. وكأنما النضال الفلسطيني بدأ بما يسمى “طوفان الأقصى” فقط. تماما كما جرى في لبنان الذي عانى ما عاناه من وراء أفعال وتصرفات حزب الله الذي توغل في الحياة السياسية والاقتصادية اللبنانية بعد عام 2006، وأصبح يُمني على الشعب اللبناني بمقاومته وما يرفعه من شعارات، ولكي لا نصل إلى ما وصل إليه اللبنانيون وغيرهم من الشعوب العربية بسبب الميليشيات الإيرانية في اليمن والعراق وسوريا ممن زجوا بمآسٍ سياسية واقتصادية وحياتية لتحقيق أجندات إيرانية أرفع صوتي من الآن لأقول: لن أؤيد حماس.

*العرب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى