كمال سلمان العنزي: إيران لحماس دعم بالإسلاموية والمال والسلاح
يمكن من واقع عملية حماس في هجوم الـ7 من أكتوبر على إسرائيل أن يتم التطرق إلى مَقمَنة العلاقات القائمة بين إيران وحماس والدعم الإيراني بوجوه تفصيلية كون حماس تكسب الدولارات والسلاح والمناصرة لرؤيتها الإسلامية من طبيعة هذه العلاقات والدعم بينما إيران تنتوي نيل شعبيةٍ ما في العالم العربي وعالم الإسلام عبر استغلال ذلك ولها نوايا أخرى معلومة. ولو أنها فشلت فشلا ذريعا في ذلك لأمرين أخفقا. الأول أن إيران بعد توظيفها القوة الناعمة التي تتوكأ على الأيديولوجية الإسلاموية والشيعنة الإيرانية لم نشهد دليلا على تحقيق مأربٍ بهذه القوة في المناطق السنية. والثاني أن مساعيها عبر القوة الصلبة المتمثلة بالمشروع النووي وميليشيات الحشد الشعبي وحزب الله والحوثي.. والتي حاولت أن تصنع مكانة جرّاءها بغية تمكينها من التظاهر بالقوة والقيادة إقليميا سوف لن يحصل إطلاقا، فبالتالي ستنعدم النية وتتفكك القوة بعد الحدث الإكتوبري المشار إليه لأن هذا الحدث كما قال رئيس وزراء دولة إسرائيل نتنياهو: «حرب سوف تغيير وجه الشرق الأوسط».
مفردة حماس ومعناها البيّن لغويا، تعني من حيث المدلول التوظيفي حركة المقاومة الإسلامية ولها فرعان السياسي والعسكري (= كتائب عز الدين القسام = المجاهدون الفلسطينيون) تأسست عام 1987 ضمن الانتفاضة الأولى التي امتدت لعام 1999 وصيغ ميثاقها في 1988 على يد عبدالعزيز الرنتيسي وأحمد ياسين ومحمد صالح طه أبي أيمن وهم من أتباع الصيغة الفكرية الإخوانية (= جماعة الإخوان المسلمين) ذات الأيديولوجيا المشيرة إلى أنه لا يمكن القول بوجود إسلام بلا منظور إسلاموي. والإسلامية مفهوم له مدلول بغير المعتاد من الإسلام. فبالتالي سنستبدله من الآن تماشيا مع أدبيات هذا الحقل بالإسلاموية نظرا لانطباق المفهوم على تمام مصداقه (= العنف والإرهاب الإسلامويين) لحماس في مواجهة دولة إسرائيل من جهة، والسعي وراء إقامة دولة إسلاموية في فلسطين ذات سيادة فلسطينية مستقلة على ما قبل حدود 1967 من جهة موازية. ومن منظور سيميولوجي حماس شكل من الأيديولوجية الإسلاموية ذات ردة الفعل الهوياتي على منظومة العالم الحديث وقوانينه الوضعية والأنظمة العرفية بالسياسة والاقتصاد والمجتمع تقابل بالنقيض كل تيار عقلي تقليدي أو عقلاني حديث برز بأعمال لشخصيات كنصر حامد أبو زيد وعبد الكريم سروش على سبيل المثال.
والآن بالانباء على فرضية الدولة الإسلاموية التي تعمل عليها الجماعات المتطرفة المنسوبة إلى الإسلام والمواقف المستنبطة من خطابات القرآن تعد حماس حركة إسلاموية ينضم إلى صفوفها الجهاديون الفلسطينيون فهي حركة إسلاموية فلسطينية بحتة غير وطنية إذاً، وليس لها إطار سياسي جامع لجمهور وشرائح الشعب الفلسطيني كونها تؤكد على أن فلسطين أرض إسلامية بدلا من القول بفلسطين وطنا، ونظام سياسي إسلاموي بمنأى عن تحديد طبيعته وفق العرف السياسي الدولي.
ويأتي دور إيران العمومي الأول كونها الحدث الإسلاموي الأبرز بنهايات القرن العشرين بثورة 1979 الجماهيرية، والتي أضفى عليها الخميني وأنصاره لاحقا خصوصية الإسلام فتحولت إلى إسلاموية تحفيز الإسلامويين على مواجهة الأنظمة الحاكمة في البلدان العربية وبلدان مثل تركيا العلمانية ذات ديانة الإسلام وجمهورية أذربيجان الشيعية العلمانية. وقد كانت آثار التحفيز واضحة على إسلامويي فلسطين؛ إذ تأسست حركة الجهاد الإسلامي بفلسطين عام 1981 التي تبنت أيديولوجية روح الله الخميني، وسرعان ما نالت مديات اهتمامه. وهذا هو الحدث الأول من حيث تبعات الإسلاموية الإيرانية السلبية. وأما الحدث الثاني فيعود لعام 1988 حيث تأسيس حماس لمكتبها بالضفة الغربية بينما العمل الإسلاموي الأساسي بُوشر في قطاع غزة. وقد اعتبرتها إسرائيل منظمة إرهابية واعتدتها عدة دول تباعا لهذا القرار حركة إرهابية من بينها كندا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة واليابان بينما صرحت مصر أن صفة الإرهاب تنطبق على جناحها المسلح لا غير. وإثر هذا التصنيف قامت إسرائيل بتصفية أحمد ياسين وعبدالعزيز الرنتيسي 2004 وأختير خالد مشعل رئيسا للمكتب السياسي، ثم اسماعيل هنية انطلاقا من 2017، وهو متشدد ومتطرف يعكس سرديات إسلاموية وسياسية أكثر تطرفا عن حماس مقارنة بخالد مشعل الذي احتمل التغير في فرضية “من النهر إلى البحر” عبر القول بأن حماس لا تضع السلاح إلا إذا تحققت أهدافها وأنه لا يمانع من إمكانية المزاوجة بين القيادة السياسية والقيادة العسكرية حذوا بما عليه داعم حماس مرشد إيران علي خامنئي ذو صلاحيات الأئمة والأنبياء.
نشأت العلاقات بين إيران وحماس بشكل وطيد بعد اعتراف منظمة التحرير الفلسطينية بالحكومة الإسرائيلية عام 1988 ما أدى إلى أن تفتتح حماس مكتبا لها في طهران معلنة انحيازها إلى إيران في أن البعد الإسلاموي للقضية الفلسطينية يتألف مع الخطاب الإيراني، أي الخطاب الإسلاموي، ولذلك زار قادة حماس طهران عدة مرات واجتمعوا بخامنئي وحصلوا على دعم بالدولار والسلاح. ويبين مسؤولو النظام الإيراني أن دعم الجماعات والمنظمات المسلحة المتواجدة في المنطقة يرتكز على دستور إيران الذي يطلب من الحكومة الإيرانية أن توفر الأرضية الملائمة لاستمرار الثورة الإسلاموية الإيرانية وتصديرها عبر التوسع بالعلاقات مع الحركات والجماعات الإسلاموية ودعمها وفقا للمادة 154 الدستورية، حيث تحوي مفردة صريحة تدل على الدعم وفُسرت بدعم الميليشيات السنية والشيعية.
وفي الواقع أن المآرب والمكاسب التي تحصل من دعم جماعات المذهبين أفضل من اختزاله في الدعم للجماعات الشيعية كون الحفاظ على النظام السياسي ـ الإسلاموي والأمن القومي ورؤية إعادة الأسطورة الآرية والاستراتيجية الإقليمية الإيرانية وأوهام إنشاء نظام دولي متعدد الأقطاب تكون إيران فيه قطبا محوريا يتطلب ذلك. ولو أن هذا مجرد توهمات لا أكثر كون الرغبة موجودة بالفعل والإمكانية مفقودة بالقوة. وعلى هذا فالدعم العسكري لما يسمى بمحور الممانعة والمقاومة المتمثل بالنظام السوري البعثي وحزب الله اللبناني والحوثيين اليمني والحشد الشعبي العراقي وغيرها من الجماعات والتنظيمات الشيعية بالمنطقة إلى جانب ما يقال له بالمحور الإيراني الإخواني المتمثل بالجهاد الإسلامي وحزب النهضة وإخوان مصر والأردن وسوريا والحزب الإسلامي في العراق وتركيا يأتي من هذا المنطلق وهو على نقيض من ميثاق الأمم المتحدة الفقرة السابعة من المادة 2.
وأما بالنسبة إلى دعم ايران لحماس يأتي في إطار مؤتمر دعم القضية الفلسطينية، وقد أقيم للمرة الأولى بطهران عام 1990 وازد الاهتمام به خلال رئاسة محمود أحمدي نجاد الذي رفع شعارات معادية لإسرائيل والشعب اليهودي عام 2006. وبعد فوز حماس بالانتخاب التشريعية في 2006، ثم الانقسام السياسي 2007 والذي أدى إلى حلّ الحكومة الفلسطينية، حيث تمكنت حركة فتح من السلطة الفلسطينية بالضفة الغربية وحماس على قطاع غزة ركزت طهران على حماس وخصصت الدعم لها وبرز في هذا الأثناء إسماعيل هنية، وبقي محافظا على التوجه إلى إيران واكتساب الدعم المالي والعسكري واللوجيستي الذي صار على أحسن حال مما كان قبله فأثمر بهجوم 7 أكتوبر. وفي رأيي يحتمل أن إيران قد بدأت الجهوزية لدعم هذه العملية خلال قمع ثورة «المرأة والحياة والحرية» في كردستان وبلوشستان وعموم إيران إذا ما أخذنا بعين الاعتبار مضاعفة دعم الحجم المالي بالعام الماضي لحماس إلى جانب تلويح خامنئي قبيل العملية «سوف يتم تدمير إسرائيل» في الثالث من أكتوبر، ما يعني أن ظرف إيران بالثورة أوهم المعنيين بمراصدة سلوك النظام بهذه الفترة على عدم اهتمامها بغير شأنها الداخلي حتى إن المعارضة الإيرانية التي تأخذ على عاتقها دوما أعلى مستويات الرصد لم تنتبه إلى هذه الجهوزية أيضا فواصلت القيام بواجبها الإعلامي لإلفات نظر الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة إلى الثورة.
لقد سهل اهتمام إيران بحماس عدة أسفار لإسماعيل هنية إلى إيران ففي 2006 أشار إسماعيل هنية بعد العودة من طهران إن إيران: «قدم مساعدات مالية بقيمة 250 مليون دولار للفلسطينيين» . لكن اندلاع الثورة السورية سببت بخلافات بين إيران وبينه وعلى إثرها أيدت حماس الثورة ضد النظام السوري لبشار الأسد إلا أن الأمور عادت إلى مجراها، وقال في ذلك جواد كريمي قدوسي في 2012 أحد القادة بالحرس الثوري وعضو لجنة الأمن القومي في البرلمان الإيراني: «إن كتائب القسام تخضع لقيادة الجمهورية الإسلامية». ونقلت صحيفة خراسان عن لسان مندوب محافظة مشهد في البرلمان التاسع: «أرسلنا 50 ألف صاروخ وآلاف الصواريخ المضادة للدبابات إلى غزة المحاصرة للدفاع عنها لأننا إذا لم ذلك فسوف نتكبد خسائر بشرية في شوارع مشهد حالما أردنا الدفاع لاحقا». وأكد قاسم سليماني في 2017 قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني أن «جميع مقدرات الجمهورية الإسلامية سوف تكون ضمن تصرف حركة حماس». وفي 2018 عندما كانت الولايات المتحدة تبحث عن خطة سلام جديدة لإنهاء الصراع بين الفلسطينيين ودولة إسرائيل تحدث خامنئي متبجحا بقوله: «منذ وقت ليس ببعيد كان الفلسطينيون يقاتلون بالحجارة وأما اليوم فهم مجهزون بالصواريخ وهذا يعني هناك تقدم بالقتال» منبها بذلك فضله على حماس وغيرها.
والمعروف أن النظام الإيراني لا يخبر عن تفاصيل دعمه العسكري لحماس وعادة ما يرصد بتأكيدات خامنئي المتوالية بلا انقطاع غامضا وأنه مستمر يشمل كل جماعة تبغي الوقوف بوجه إسرائيل إلا أن الوضوح يمكن رصده في صفوف القيادات العسكرية. فهذا محمد علي جعفري قائد الحرس الثوري الإيراني الُمقال يقول: «2012 لم تتمكن إيران من إرسال صواريخ إلى غزة مباشرة لكنها زودت غزة بتكنولوجيا صاروخ فجر 5 كما أن الدعم المالي أدى إلى تغيير في التشكيل العسكري داخل القطاع فالصواريخ التي أنتجتها حماس تأتي ضمن الاستراتيجية المدروسة مع حماس». وتم سماع التنديد بهذا السخاء المالي عاليا حينما هتفت شعوب إيران منذ عام 2018 بالانتفاضات المتتالية «لا غزة لا لبنان روحي بتفدي إيران».
وأخيرا ما غاب عن حسبان إيران في دعمها لحماس عدم احتمالها لما حصلت عليه إسرائيل من دعم كبير أوروبي وأميركي لا سابق له كون الدول الداعمة اليوم لا تشكك بما لديها من يقين دال على ضرورة تدمير حركة حماس واجتثاث مخلفاتها السياسية والعسكرية من قطاع غزة. وهذا يعني سوف نشهد نهاية عموم الدعم الإيراني لأحد مكونات محور المقاومة بفلسطين وتليها محاور أخرى. ومن هذا المنطلق لقد استولى على إيران خوف واضح يكشفه خامنئي بين الحين والآخر برسائله التي يطلقها «إذا لم تكف إسرائيل عن القصف فلا أحد أن يحتمل إيقاف المقاومة!» تجاه وطيس الحرب الحامي الهادف إلى جعل حماس وغيرها بموضع للاوجود واللاعودة، والممهد لما بعد نيرانه عودة مفاوضات السلام مجددا بين دولة إسرائيل ودول عربية أخرى على شرط أن تتحلى هذه الدول بالرؤية الواضحة للممايزة بين حركة حماس وأخواتها وبين فلسطين.
The Middle East *