رأي في الحدث

بدر خالد البحر: تحالف إيران وإسرائيل و«الشيطان الأكبر»

في مقال الاسبوع الماضي قلنا انه رغم ما لدينا من مصالح مع الولايات المتحدة فإنه علينا التعامل معها بحذر تجاه تحالفاتها، وقد أوضحنا ذلك لعل عقول البعض تتفتق لتفهم شيئاً بسيطاً من السياسة، فما تعلنه إيران الآن من عداء لإسرائيل ودعم لحماس هو على الأرجح ربما يكون العكس تماماً من وراء الكواليس، لأنه ليس إلا خدمة لمصالحها في سياق توازناتها مع دول عربية وخليجية.

وسنلجأ للتاريخ الموثق لنؤكد ما نقوله، كي لا ندع مجالاً للشك، وطالما نحن في نوفمبر، ففي اليوم الخامس من هذا الشهر، المصادف الأحد الماضي، من عام 1979، أعلن الخميني أن أميركا هي «الشيطان الأكبر»، ثم ما لبث أن استنجد بها للحصول على الأسلحة في حربه مع العراق، في ما بات يعرف بفضيحة «إيران كونترا»، حيث قامت أميركا ببيع الأسلحة للخميني عن طريق رئيس وزراء إسرائيل شمعون بيريز، الذي أرسل من تل أبيب إلى طهران 2500 صاروخ «تاو»، و18 صاروخ هوك، ومئات من قطع الغيار. وبالمقابل، قامت إيران بإطلاق سراح سبعة أميركان اختطفهم «حزب الله» في لبنان.

فلك أن تتخيل أن أميركا التي أوهمتنا بفرض العقوبات على إيران قد باعتها أسلحة أثناء الحرب العراقية – الايرانية، وفي الوقت نفسه باعت أسلحة لدول الخليج وللعراق أثناء الحرب نفسها، أي كانت وجهين لعملة واحدة! وبينما كانت طهران تندد بأميركا وتعلن بأنها ستحرر القدس من الإسرائيليين الصهاينة، كانت تل أبيب توصل لها الصواريخ الأميركية! وعليه، يمكننا تطبيق قواعد هذا التحالف بين هؤلاء في يومنا هذا.

وفي قراءة سريعة للنتائج الأولية لهذه الحرب، فإن هذا «التحالف الغادر»، حسب تسمية كتاب ألفه تاريتا فارسي من جونز هوبكينز عن التعاملات السرية بين إيران وأميركا وإسرائيل، قد خسر حتى الآن، مقابل نجاح حققه الفلسطينيون، رغم ما تكبدوه من خسائر بشرية ومادية، كونهم أنجزوا صموداً وانتصاراً وجه لهم الأنظار من جميع أنحاء العالم، وتعاطفاً ودعماً إنسانياً وإستراتيجياً لمصلحتهم، لم تحظَ به القضية الفلسطينية من بداية الاحتلال عام 1948. أما إيران فقد حصلت على مكافأة نظير أداء دورها، الأسبوع قبل الماضي، حيث ألغى بموجبها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رسمياً جميع العقوبات التي دامت مفروضة عليها لثماني سنوات بشأن التجارب الصاروخية وتصدير واستيراد موادها، فضلاً عن الممتلكات والخدمات المالية والعقوبات على الأفراد والكيانات الإيرانية.

أميركا من جانب آخر، فشلت أيضا رغم إرسال أساطيلها، كونها غير قادرة على تغيير مسار الحرب وعلى مواجهة الرأي العام الشعبي، الاميركي والعالمي، الناقم على دعمها لقتل الأطفال والنساء، ما جعلها تسعى لتحقيق هدنة إنسانية أعلنت عن إحراز تقدم في إنجازها. أما إسرائيل فقد خسرت رمزيتها كرابع أقوى جيش بالعالم وتكبدت الضحايا التي لم ترد أعدادها في أسوأ أحلامها، كما صار رئيس حكومتها نتانياهو معرضا للعزل لتحمله الفشل.

فهل فهم الناس الآن طبيعة ما يدرو وراء كواليس السياسة وحقيقة علاقات الدول خلافا لما هو معلن بينها من صراعات وخطابات شجب وتنديد، ليكون أوضح مثل على ذلك التحالف بين إيران وإسرائيل وأميركا التي سماها الخميني في مثل يوم الأحد الماضي منذ أربعة وأربعين عاما «الشيطان الأكبر».

* * *

في حال حدوث هدنة إنسانية وربما توقف للحرب، فإنه على الفلسطينيين عدم قبول مساعي تبادل الأسرى فقط، فمن غير المعقول أن يكون تدمير غزة وقتل الآلاف نظير إطلاق عدد من الأسرى لا يصل إلى نصف عدد القتلى، لذلك يظل حل إنشاء دولة فلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية عند حدود 1967 هو الثمن، وإن كانت دماء الأطفال أغلى.

* * *

إن أصبت فمن الله، وإن أخطأت فمن نفسي.

*القبس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى