رأي في الحدث

أحمد الجارالله: تحقُّق بنوءة فرانكلين… والعرب يشتمون بعضهم

كان بنجامين فرانكلين، أحد الآباء المؤسسين للولايات المتحدة، قد سبق عصره حين حدد في المؤتمر الدستوري، المنعقد عام 1787 في فيلادلفيا، واحدة من أعظم الأزمات التي ستواجه الأميركيين، لاحقاً، إذا لم ينص الدستور الجديد على منع اليهود من دخول الولايات المتحدة، وقال: “هنالك خطر عظيم يهدد الولايات المتحدة الأميركية، هو خطر اليهود، ففي كل أرض حلوا بها أطاحوا المستوى الأخلاقي وأفسدوا الذمة التجارية”.
وأضاف: “ولن تمضي مئتا سنة حتى يكون مصير أحفادنا أن يعملوا في الحقول لإطعام اليهود، وإنني أحذركم من أنكم إن لم تبعدوا اليهود نهائياً فلسوف يلعنكم أبناؤكم وأحفادكم في قبوركم، فهم لن يتخذوا مثلنا العليا ولو عاشوا بين ظهرانينا عشرة أجيال، إن اليهود خطر على هذه البلاد إذا ما سُمح لهم بحرية الدخول، إنهم سيقضون على مؤسساتنا، لذا لا بد من أن يستعبدوا بنص الدستور”.
هذه النبوءة لم تكن من بُنات خيال هذا المفكر الأميركي الذي ناضل جنباً إلى جنب مع جورج واشنطن وغيره من أجل توحيد الولايات المتحدة، لذا أصبحت العاصمة الأميركية “واشنطن” بعد نحو 90 سنة تعمل على وفق ما يطلبه اليهود، لأنهم أدركوا منذ البدء أن صيغة الكانتونات التي كانت في إسبانيا والبرتغال وبلغاريا والتشيك وغيرها، لن تمنحهم الأمان والسيطرة والنفوذ، لذلك عملوا على الاستحواذ على القوة المالية، واحترفوا المهن التي يخف وزنها ويغلى ثمنها.
في المقابل، كانت المسألة اليهودية تشغل الأوروبيين، وتضغط على الحكومات، وفيما كانت تحاول كل منها معالجتها بطرقها الخاصة، أعلن أكثر أعداء اليهود البريطانيين، يومذاك، آرثر بلفور قانونه المعلن عام 1905، بمنع اليهود من دخول بريطانيا، وألحقه بعد 12 عاما بوعدها الشهير، وتبني إعلان نابليون بونابرت، لإقامة دولة يهودية في فلسطين كي تتخلص أوروبا من صداعهم.
في العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، وحين قرر جمال عبدالناصر تأميم قناة السويس، ورغم أن هذا القرار كان خطأ ستراتيجياً، وظهرت سلبياته بعد أيام، إلا أنه كان مناسبة لواشنطن لتظهر أنها قوة عظمى وحيدة في العالم، ففي حين لم يكن لدى الحليف السوفياتي لمصر أكثر من الاحتجاج، فقد جاء إعلان إيزنهاور بضرورة وقف العدوان، ليجبر القوات البريطانية والفرنسية والاسرائيلية على الانسحاب من بورسعيد والأراضي التي احتلت حينها.
هذه النقلة النوعية الأميركية أدت إلى المزيد من هجرة العلماء ورجال المال اليهود إلى الولايات المتحدة، وزاد نفوذ اللوبي الصهيوني (ايباك) أكثر مما مضى.
اليوم، حين نطالع المواقف الأوروبية والأميركية من العدوان الاسرائيلي الوحشي على غزة، ندرك أن صناعة النفوذ تبدأ من الهيمنة على صناعة المال والإعلام، ومؤسسات البحث والتعليم الجامعي في أي دولة، ولهذا يخاف الأوروبيون اليوم من عودة اليهود إلى دولهم، بينما نبوءة فرانكلين تحققت، وأصبحت كابوسا للجميع في الغرب.
العرب والفلسطينيون لم يعملوا في تاريخهم على بناء قوة ناعمة، كتلك التي عند الصهيونية حاليا، لهذا ستبقى اسرائيل تتمتع بالقوة والنفوذ، بينما العرب يشحذون حقوقهم، يكتفون بالبيانات، ويشتمون بعضهم بعضاً.

*السياسه

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى