أحمد الجارالله : هذه قصة “مجلس التعاون”
حين شاهدت وقائع القمة الخليجية التي عقدت في الدوحة أول من أمس عادت بي الذاكرة الى العام 1980، والقمة العربية في العاصمة الأردنية عمان، إذ يومها رأى المغفور له، الشيخ جابر الأحمد، رحمه الله، بعد اختلاف العرب فيها، أن الوضع غير مريح، لهذا أرسل قصاصة ورق إلى ولي العهد السعودي، آنذاك، الأمير فهد بن عبدالعزيز، وفيها أن دول الخليج لا بد أن يكون لها مجلس، أو تجمع من أجل حماية أمنها القومي.
وسرعان ما كان رد الأمير بقبول هذه الفكرة، وعقد اجتماعاً مساء لمناقشتها، وبعد نحو عام انبثق مجلس التعاون لدول الخليج العربية في القمة الخليجية بابوظبي.
طوال 42 عاماً مر المجلس بالكثير من الامتحانات، لكنه أثبت أنه قوة سياسية، واقتصادية، وعسكرية، تستطيع الصمود بوجه العواصف.
صحيح أن لكل دولة وجهة نظرها في بعض الاتفاقات، لكن أغلبها نفذ، أو هو في طريقه الى التنفيذ، لكن التجربة يشتد عودها يومياً، وتقف هذه الدول الست بوجه المحن صفاً واحداً، لذا كانت “درع الجزيرة” ضمانة خليجية، وقد أثبتت قوتها أكان في الغزو العراقي للكويت، وأحداث البحرين، أو العدوان الحوثي على دول الخليج.
كما أن فتح الأسواق والتنقل بين مواطني الدول الست عزز التبادل التجاري بينها، فيما لا تزال الوحدة النقدية، والبنك المركزي ينتظران الاتفاق على بعض الشكليات، فيما الربط الكهربائي وخطة القطار الخليجي يسيران وفق ما هو متفق عليه.
لقد أثبت الخليجيون أنهم لا يقلون قدرة عن الأوروبيين والأميركيين في السعي الى الوحدة التي نص عليها الميثاق الذي أقر في العام 1981، في المقابل طوال السنوات الماضية كانت هناك محاولات لإطاحته، إما من دول مجاورة لها أجندتها الخاصة، أو في العالم التي بنت رؤيتها على إفشال أي محاولة عربية، مهما كان نوعها للتضامن والوحدة.
لهذا اليوم وبعد 42 عاماً، ومع القمة الـ44 التي عقدت في العاصمة القطرية، ثمة تصميم شعبي على إكمال المسيرة، إذ أن كل العواصف التي مرت على المجلس لم تفت بعضد قادته، ولا شعوبه، بل إنها زادت تلاقيهم، ولنا في التجربة المريرة عام 1990، وكيف شعر الكويتيون أن القلوب فتحت لهم قبل المنازل، في كل دول المجلس، لأن الروح الخليجية في الأصل واحدة مهما تعددت الشخصيات.
في العام 2004 طرح المغفور له، الملك عبدالله بن عبدالعزيز، رحمه الله، تطبيق ما نص عليه الميثاق بشأن الاتحاد الخليجي، وهذا لا شك يتطلب قبل كل شيء استكمال بعض الإجراءات التي تأخرت، لاسيما أن الأحداث التي شهدتها المنطقة في العقدين الماضيين، والأوضاع الإقليمية الحالية باتت تفرض المزيد من وحدة الصف.
لهذا نقول: أن تأتي متأخراً أفضل من ألا تأتي أبدا، فالمتغيرات التي يشهدها العالم تفرض على الخليجيين أن يكونوا صفاً واحداً، وقد صدق الشاعر المهلب بن أبي صفرة حين قال:
“كونوا جميعا يا بني إذا اعترى
خطب ولا تتفرقوا آحادا
تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسرا
وإذا افترقن تكسرت أفرادا”، فهل يدرك المسؤولون الخليجيون أهمية وحدتهم؟