فوزية رشيد :غزة والكيان: معنى الانتصار ومعنى الهزيمة!
{ في الحروب لا هدف يعلو على هدف إعلان الانتصار، وتجنب الوقوع في الهزيمة، ليس على المستوى العسكري، وإنما في كافة المجالات، التي سنتعرض لأهمها، وحيث بعد مرور (أكثر من شهرين) على العدوان على غزة، لم يستطع العدو الصهيوني إعلان انتصاره! أو تحقيق الأهداف التي شن الحرب على أساسها! ورغم أنه لم يخض العدوان على مساحة 365 كم هي مساحة «غزة» وحده، وإنما بمشاركة من (أمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا ودول أخرى في «الناتو»)! وتم استخدام كل ما يخطر على البال من مخزون العتاد العسكري والتقنيات العسكرية، والقنابل الفتاكة والدبابات والصواريخ والمسيرات، ودعم البوارج وحاملات الطائرات الأمريكية (200 طائرة)! ومشاركة الغرب في «مجلس الحرب» المنعقد في الكيان الصهيوني، حتى وصلت الرسالة إلى العالم أنها حرب (أمريكا والغرب على غزة)!
{ ورغم كل ذلك وبعد مرور شهرين لم يحقق الكيان أي هدف عسكري أراده، بل حقق حرب إبادة والقتل الهمجي للأطفال والنساء والمدنيين، وتدمير الأبنية والمستشفيات والمدارس والمساجد، بما تم اعتباره جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية! ولكي تتضح صورة «المأزق» الذي وقعت فيه الولايات المتحدة، باعتبارها (الأساس والمحرك والداعم لهذه «الحرب الهمجية») فإنه لا بد أولاً لفت النظر إلى أن أمريكا تنظر إلى حرب «إسرائيل» في «غزة» (على أنها امتداد للحرب الأمريكية على داعش)! هذا «الخلط المتعمد» بين (مقاومة مشروعة ضد احتلال قائم) وبين إرهاب مليشيا «داعش» وكان بالأصل من صناعة أمريكا نفسها لتشن الحرب على المنطقة باسم الحرب عليها وعلى الإرهاب، (هو خلط مقصود)، ولكنه في ذات الوقت أحد أسباب عدم القدرة الصهيونية على تحقيق الهدف الأساس وهو (تدمير حماس والمقاومة تدميرًا نهائيًا) كما تريد!
لأن (المقاومة الشعبية في أي بلد لا تتدمر ولا تزول، حتى لو أزالوا قوتها العسكرية بعد حين، فهي أسلوب مقاومة وفكرة مقاومة، وهذا لا يزول ما دام هناك احتلال)! ولذلك فالمقاومات الشعبية ليست إرهابًا، طالما تقاوم المحتل داخل أرضها، ولا صلة لها بداعش وغيرها، كما يروج الغرب لأن داعش المصنوعة صناعة كإرهاب وارتزاق من دول مختلفة، لتمارس الإرهاب في بلد هو ليس بلدها! ويتم من خلالها كما فعلت أمريكا مع «داعش» زرع الفوضى المليشياوية في المنطقة! وكما فعلت إيران بخصوص المليشيات التابعة لها (عقديا وتمويلاً وتسليحًا) لتمارس الإرهاب في بلدانها! المقاومة الفلسطينية مكون من مكونات الشعب الفلسطيني، وتقاوم على أرضها ضد الاحتلال الصهيوني! ولذلك لا يمكن الانتصار عليها طالما أن الشعب الفلسطيني يحتضن أطيافها، وصامد ومتمسك بأرضه، وملتف حول مقاومته في غزة رغم كل الضحايا في وسطه!
{ بين معنى الانتصار ومعنى الهزيمة نترك الحكم للقارئ مع ما سنستعرضه:
أولاً – على المستوى العسكري: ورغم التعداد العسكري الكبير أكثر من (600 ألف جندي وضابط) حشدهم الكيان، وبدعم مفتوح ومطلق من أمريكا والغرب، إلا أن الكيان لم يستطع بعد مرور شهرين من تسجيل أي انتصار إلا القتل الهمجي للأطفال والنساء والتدمير الكليّ للبنية التحتية في غزة، كما قلنا، وهذا لا يعتبر انتصارًا وإنما جرائم حرب مدانة في القانون الدولي! إلى جانب أن كل ذلك التحشيد «الإسرائيلي» والغربي هو موجه ضدّ (شعب أعزل) وعدد بسيط من «المقاتلين» قياسًا بتعداد الجيش الصهيوني، وحيث عدد المقاومين لا يتجاوز الـ(50 ألف مقاوم) في الأنفاق! وهنا يعود العالم ليتأمل ويراجع مقولة الكيان أن جيشه (الجيش الذي لا يُقهر!) وحيث المقاتلون المقاومون ألحقوا بهذا الجيش الكثير من الخسائر من مساحة الصفر أيضًا، سواء في الجنود والضباط، أو في الدبابات، أو في استمرار الكمائن أو في إطلاق الصواريخ داخل «إسرائيل»! إلى جانب ما أحدثه من صدمة تاريخية للكيان في عملية «طوفان الأقصى» وفي هذا وبتاريخ 3/12/2023 قال الخبير العسكري الإسرائيلي «برهام مائير» على قناة 12: «علينا أن نعترف بأن (حماس) قد انتصرت، والاستمرار في المكابرة سيؤدي إلى السقوط الكبير للجيش الإسرائيلي، ويقول: خلال 24 ساعة تم تدمير (25 آلية) عسكرية وقتل الجنود وهي خسارة لم تتعرض لها إسرائيل في تاريخها». هذا التصريح منقول على موقع «x تويتر» سابقًا. من هو هذا المهزوم ومن هو المنتصر؟!
ثانيًا- على المستوى السياسي: سقطت السرديات الصهيونية سواء سرديات الكيان أو الغرب على المستوى العالمي! واكتشفت الشعوب حجم الأكاذيب وبدأت تراجع جذور القضية الفلسطينية، وتدرك حجم الظلم الذي وقع على الشعب الفلسطيني، وأن احتلال فلسطين هو احتلال استعماري وليس حقا لليهود كما تدعي الأساطير المؤسسة لقيام الكيان! على المستوى السياسي لم يشهد الكيان انكشافًا كالذي حدث بعد عدوانه على غزة! وكذلك لم تشهد القضية الفلسطينية التفافًا شعبيًا سياسيًا عالميًا مناصرًا لها كالذي يحدث الآن! أين هنا المهزوم وأين المنتصر؟!
ثالثًا – على المستوى الإعلامي: سقط الإعلام الصهيوني سقوطًا مدويًا، وانكشفت فبركاته وأكاذيبه حول ما سرده عن ممارسات المقاومة في (7 أكتوبر)! بل نشرت صحف إسرائيلية أن الجيش الإسرائيلي وبشهادة شهود من داخل المستوطنات، (هو من قتل المئات في الحفل المقام ليلة عملية طوفان الأقصى)! إلى جانب انكشاف الأكاذيب على قنوات كبرى مثل الـ(C.N.N) وغيرها، حتى أصبح الإعلام الصهيوني في الغرب في موقع الحرج أمام كل ما رواه! فيما استخدم (المقاومة) أسلوب تسجيل عملياته بالفيديو ضد الجيش الإسرائيلي، واكتسب إعلامه مصداقية كبيرة لأن أقاويله موثقة بالفيديوهات! إلى جانب ما يقوله حول ضحايا وشهداء غزة وقتلى الجنود وتدمير آلياته!
من هنا المهزوم إعلاميًا ومن هو المنتصر؟!
رابعًا – على المستوى المعنوي: وضحت الأحداث في غزة وهناك قصص كثيرة عن الهزيمة المعنوية في صفوف الجيش الصهيوني المدجج بكل العتاد والآليات والتقنيات، مقابل الصمود المعنوي الكبير للمقاومين ولأهل غزة ولأطفال ونساء غزة، رغم الكوارث غير المتخيلة التي حلت بهم! فارق كبير بين أصحاب الأرض ومعنوياتهم وتضحياتهم وبين محتل سقطت معنوياته في مستنقع غزة وصمود أهلها!
فمن المهزوم ومن المنتصر على المستوى المعنوي هنا؟!
{ بالإمكان سرد الكثير عن معنى الانتصار ومعنى الهزيمة في الحرب على غزة على المستوى (الإنساني) و(الوطني) و(الأخلاقي) و(قيم الدين) و(حرب المفاهيم)، بما لا يتسع له المجال هنا! ولكن ورغم أن الكيان الصهيوني وقف معه الغرب كله بقيادة أمريكا، ورغم الإعلام العالمي الصهيوني المسخر لدعمه وسرد الأكاذيب له، فإن «غزة» وأهل «غزة» و«المقاومة» كانت (الضوء الكاشف لزيف كل آليات الصهيونية العالمية) وزيف إدارتها للمجتمع الدولي والشرعية الدولية! حتى أصبحت «غزة» رغم كل الكوارث والجرائم والهمجية التي أقامها العدو الصهيوني فيها، أصبحت (أيقونة شعوب العالم) كلها، في البحث عن الحرية والعدالة والحقيقة! وزعزعت (إرادة البقاء لدى الصهاينة، وإرادة القتال لدى الجنود)!
ومن يتأمل المشهد بشكل كلي يدرك حقيقة معنى الانتصار وحقيقة معنى الهزيمة ما بين الشعب الفلسطيني ومقاومته في أرضه ولأرضه، وبين الاحتلال وجنوده، وحيث «الهزيمة الكلية» لهم ستزيلهم في النهاية من أرض اغتصبوها، طال الزمن أو قصر! طوبى لشعب فلسطين المقاوم.