ضربات أميركية-بريطانية جوا وبحرا تستهدف مواقع الحوثيين في اليمن..والسعودية تدعو إلى ضبط النفس وتجنب التصعيد
أعربت السعودية، في بيان بعد الضربات، عن “قلق بالغ” في أعقاب الضربات التي شنتها الولايات المتحدة وبريطانيا على مواقع عدة في اليمن، داعية إلى “ضبط النفس” ومشددة في الوقت نفسه على “أهمية الاستقرار” في منطقة البحر الأحمر.
واتهمت الولايات المتحدة إيران بالتورط عملياتيا في هجمات الحوثيين في البحر الأحمر، وتوفير القدرات العسكرية والاستخباراتية لتنفيذها.
وقال مسؤول أميركي كبير للصحافيين “نعتقد أن إيران متورطة بالتأكيد في كل مرحلة” من هجمات الحوثيين.
شنّت الولايات المتحدة وبريطانيا فجر الجمعة ضربات على أهداف في مناطق خاضعة لسيطرة المتمرّدين الحوثيين في اليمن، بعد استهدافهم على مدار أسابيع سفنا تجارية في البحر الأحمر، تضامنا مع قطاع غزة الذي يشهد حربا مع إسرائيل.
وتشكل هذه الضربات التي جرى تنفيذها جوا وبحرا ومن أعماق البحر تطورا يمثل توسعا دراماتيكيا للحرب بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس).
أكد الرئيس الأميركي جو بايدن أن الضربات التي نفّذتها الولايات المتحدة وبريطانيا ضد الحوثيين في اليمن فجر الجمعة تعد “دفاعية” محذّرا من إجراءات أخرى في حال واصل المتمرّدون مهاجمة سفن في البحر الأحمر.
وشدد بايدن الذي يسعى للفوز بولاية رئاسية جديدة في تشرين الثاني/نوفمبر على أن التدخل العسكري الأميركي الأخير في المنطقة كان ضروريا نظرا إلى أن الهجمات الحوثية “تعرّض حرية الملاحة في أحد الممرات المائية الأكثر حيوية في العالم للخطر”.
وقال في بيان إن “هذه الهجمات عرّضت عناصر أميركيين وبحارة مدنيين وشركاءنا والتجارة للخطر وشكّلت تهديدا لحرية الملاحة”.
وأضاف “لن أتردد في إصدار توجيهات بمزيد من الإجراءات المباشرة لحماية شعبنا و(ضمان) حرية الحركة للتجارة الدولية عند الحاجة”.
وذكر بايدن بأن الضربات أعقبت 27 هجوما “غير مسبوق” على سفن في الممر البحري الدولي “بما في ذلك استخدام صواريخ بالستية مضادة للسفن للمرة الأولى في التاريخ”.
بدوره، أكد وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن الذي يواجه مطالبات بالاستقالة بعدما أخفى عن بايدن مسألة نقله إلى المستشفى مؤخرا أن الضربات تهدف إلى “عرقلة وإضعاف” قدرة الحوثيين على استهداف الملاحة الدولية.
وأفاد في بيان أن “ضربات اليوم (الجمعة) استهدفت مواقع على صلة بمسيّرات الحوثيين وصواريخ بالستية وأخرى من طراز كروز وقدرات الرصد الساحلي والاستطلاع الجوي”.
وأفاد كبار المسؤولين الأميركيين بأن بايدن شعر بأنه مجبر على التحرّك بعد هجوم حوثي كبير في التاسع من يناير عندما اضطرت القوات الأميركية والبريطانية لإسقاط أكثر من 20 صاروخا ومسيرة.
وقال مسؤول في إدارة بايدن “لولا هذه المهمة الدفاعية نحن متأكدون بأن سفنا كانت ستُضرب ويتم إغراقها حتى، بما في ذلك سفينة تجارية مليئة بوقود الطائرات”.
وأفاد بيان بايدن بأن الضربات الجوية استهدفت بـ”نجاح” مواقع تابعة للحوثيين لكن مسؤولين أميركيين لفتوا إلى أن تقييم الأضرار الناجمة عنها ما زال جاريا.
إلا أن مسؤولا رفيع المستوى في إدارة بايدن قال للصحافيين إن الضربات كانت “كبيرة” وتشير التوقعات إلى أنها “ستضعف بشكل كبير قدرات الحوثيين”.
لكن لم يتضح بعد، إن كانت ستردع الحوثيين على المدى البعيد، علما بأنهم ما زالوا يسيطرون على أجزاء من اليمن رغم الحرب الأهلية والعملية العسكرية للتحالف بقيادة السعودية.
لكن المسؤول أشار إلى تحذير بايدن من إجراءات إضافية مضيفا “هناك احتمال كبير بألا يكون ذلك آخر ما يقال في هذه المسألة”.
وقالت قناة “المسيرة” التابعة للحوثيين عبر موقعها الإلكتروني إن “عدوانا أميركيا بمشاركة بريطانية” يستهدف مواقع في العاصمة صنعاء ومدن أخرى.
وأشارت القناة إلى أن الضربات طالت “قاعدة الديلمي الجوية” الواقعة في جوار مطار العاصمة صنعاء، و”محيط مطار الحديدة، مناطق في مديرية زبيد، معسكر كهلان شرقي مدينة صعدة، مطار تعز، معسكر اللواء 22 بمديرية التعزية، والمطار في مديرية عبس”.
وأفادت مراسلو وكالة الصحافة الفرنسية في صنعاء والحديدة بسماع دوي ضربات متتالية وتحليق للطيران، تبعته أصوات سيارات إسعاف.
وأظهرت مقاطع مصوّرة تمّ تداولها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، انفجارات تضيء السماء وأصوات دويّ قوي وهدير طائرات.
وكُتب على أحدها أنها ضربات تستهدف قاعدة الديلمي الجوية، فيما كان مصوّر المقطع يقول إنه يُظهر “الضربة الصاروخية التي شُنّت قبل قليل”.
وفي وقت سابق الجمعة قال بايدن في بيان “بتوجيه منّي، نفّذت القوّات العسكريّة الأميركيّة – بالتعاون مع المملكة المتحدة وبدعم من أستراليا والبحرين وكندا وهولندا – ضربات ناجحة ضدّ عدد من الأهداف في اليمن التي يستخدمها المتمرّدون الحوثيّون لتعريض حرّية الملاحة للخطر في أحد الممرّات المائيّة الأكثر حيويّة في العالم”.
ووصف الضربات بأنّها “ردّ مباشر” على ما مجموعه “27 هجوما” شنّها الحوثيون على سفن وشملت “استخدام صواريخ بالستيّة مضادّة للسفن للمرّة الأولى في التاريخ”.
وتابع بايدن “هذه الضربات المُحدّدة الأهداف هي رسالة واضحة مفادها أنّ الولايات المتحدة وشركاءنا لن يتسامحوا مع الهجمات”.
وفي بيان مشترك، أعلنت الولايات المتحدة وأستراليا والبحرين وكندا والدنمارك وألمانيا وهولندا ونيوزيلندا وكوريا الجنوبيّة والمملكة المتّحدة، أنّ “هدفنا يبقى متمثّلا في تهدئة التوتّر واستعادة الاستقرار في البحر الأحمر”.
و قال رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك في بيان “رغم التحذيرات المتكرّرة للمجتمع الدولي، واصل الحوثيّون تنفيذ هجمات في البحر الأحمر، مرّة أخرى هذا الأسبوع ضدّ سفن حربية بريطانيّة وأميركيّة”، مضيفا “هذا لا يمكن أن يستمرّ (…) لذا اتّخذنا إجراءات محدودة وضروريّة ومتناسبة دفاعا عن النفس”.
إلا أن الضربات، وهي الأولى على الأراضي اليمنية منذ عام 2016، تمثل دليلا لا يمكن إنكاره على ما تجده واشنطن من صعوبات لاحتواء تداعيات الحرب بين إسرائيل وحماس في الشرق الأوسط منذ اندلاع شرارتها في أكتوبر. وعلى الرغم من أن واشنطن قالت إنه لا توجد لديها نية لتصعيد التوترات فقد توعد الحوثيون بالرد على أي هجوم.
وقال آندرياس كريج من جامعة كينجز كوليدج في لندن “الخوف هو أن هذا قد يتصاعد”، محذرا من احتمال جر السعودية والإمارات أيضا إلى المواجهة.
وجرى تنفيذ الضربات عن طريق طائرات وسفن وغواصات. وقال مسؤول أميركي آخر إنه تم استهداف أكثر من عشرة مواقع وإن الضربات كانت تهدف إلى إضعاف القدرات العسكرية للحوثيين ولم تكن رمزية فقط.
وقال مسؤول عسكري أميركي “كنا نستهدف قدرات محددة للغاية في مواقع محددة للغاية باستخدام ذخائر دقيقة”.
ورحب جمهوريون بارزون في الكونغرس بهذه الخطوة، بينما عبر البعض في الحزب الديمقراطي الذي ينتمي له بايدن عن القلق إزاء احتمال تورط الولايات المتحدة في حرب أخرى.
وقال السناتور الأميركي روجر ويكر العضو الجمهوري الأبرز بلجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ في بيان “هذه الضربة جاءت متأخرة شهرين، لكنها خطوة أولى جيدة نحو استعادة الردع في البحر الأحمر”.
وجاءت الضربات في أعقاب خطوات دبلوماسية وعسكرية أخرى كان المسؤولون الأميركيون يأملون في أن توقف هجمات الحوثيين دون أن يذهب الأمر باتجاه إشعال صراع جديد.
ونددت جماعة حزب الله اللبنانية الجمعة بالهجوم الأميركي البريطاني على اليمن. وقالت في بيان “يدين حزب الله بكل شدة العدوان الأميركي البريطاني السافر على اليمن الشقيق وأمنه وسيادته”. وتابعت أن “العدوان الأميركي يؤكد مرة جديدة أن أميركا هي الشريك كامل الشراكة في المآسي والمجازر التي يرتكبها العدو الصهيوني في غزة وفي المنطقة”.
وطلبت روسيا، الجمعة، عقد جلسة طارئة في مجلس الأمن الدولي على خلفية الضربات التي شنتها الولايات المتحدة وبريطانيا على اليمن.
وقبل ساعات من هذه الضربات، أكّد زعيم المتمرّدين عبدالملك الحوثي أنّ أيّ هجوم أميركي “لن يكون أبدا من دون ردّ”.
ويأتي ذلك بعد أسبوع على تحذير وجّهته 12 دولة بقيادة الولايات المتحدة للحوثيين من أنهم سيواجهون عواقب في حال مواصلة استهداف السفن التجارية في البحر الأحمر، أحد أهم الممرّات المائيّة للتجارة العالميّة.
وخلال الأسابيع الماضية، شنّ الحوثيّون أكثر من 25 عمليّة استهداف لسفن تجاريّة يشتبهون في أنّها مرتبطة بإسرائيل أو متّجهة إلى موانئ إسرائيلية، قرب مضيق باب المندب الاستراتيجي عند الطرف الجنوبي للبحر الأحمر، تضامنا مع الفلسطينيين.
وكان آخرها استهداف الحوثيين “سفينة أميركية كانت تقدّم الدعم لإسرائيل”، مستخدمين أكثر من 20 طائرة مسيّرة وصاروخا فوق البحر الأحمر، أسقطتها القوات الأميركية والبريطانية، في ما وصفته لندن بأنه “أكبر هجوم” ينفّذه الحوثيون منذ بدء حرب غزة.
وشكلت واشنطن تحالفا دوليا في ديسمبر – أطلِق عليه اسم “عملية حارس الازدهار” – لحماية الملاحة البحريّة في المنطقة التي يتدفق من خلالها 12 بالمئة من التجارة العالمية.
ثم حذرت 12 دولة بقيادة الولايات المتحدة الحوثيين في الثالث من يناير من “عواقب” ما لم يوقفوا فورا الهجمات على السفن التجارية.
ودعا مجلس الأمن الدولي في قرار الأربعاء إلى وقف “فوري” لهجمات الحوثيين في البحر الأحمر، مطالبا كذلك كلّ الدول باحترام حظر الأسلحة المفروض عليهم.
ويبدو أنّ النقطة التي أفاضت الكأس بالنسبة إلى الحلفاء الغربيّين جاءت في وقت مبكر الخميس، عندما قال الجيش الأميركي إنّ الحوثيّين أطلقوا صاروخا بالستيا مضادا للسفن على ممرّ شحن في خليج عدن.
وتسبّبت الهجمات المكثّفة في تحويل شركات الشحن مسار سفنها للالتفاف حول رأس الرجاء الصالح في جنوب إفريقيا، ما أثار مخاوف من تضرّر الاقتصاد العالمي.
لكنّ الضربات الغربيّة تهدّد بتحويل الوضع المتوتّر أصلا في الشرق الأوسط إلى نزاع أوسع نطاقا يضع الولايات المتحدة وإسرائيل في مواجهة إيران وحلفائها الإقليميّين.